بات لزاماً على رغم إنشغال الأمتيْن بمسلسل الإرهاب الذي بات لكثرة ما يحيط به من تساؤلات، أشبه بتلك المسلسلات التي تبثها أحياناً الفضائيات وتبعْث مشاهدتها شعوراً بالملل منها، أن تأخذ دولها من القطب إلى القطب على محْمَل الجِدِّ ما بدأ يتردد عن خطة إسرائيلية لهدْم المسجد الأقصى خلال ثلاث سنوات.
وعندما تتحدث القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عن هذه الخطة، ولا تكتفي بمفردات سياسية عامة وإنما تقرن الحديث بالإشارة إلى أن مؤسسات ومنظمات يهودية بدأت في نقْل المعدات والأدوات اللازمة ووضْعها في الأماكن القريبة من المسجد تمهيداً لتنفيذ خطة لن تزيد على ثلاثة أعوام لهدْم الحرم الثالث وأنها على حدّ عبارة لافتة في النبأ المبثوث «في إنتظار قرار رسمي بذلك»… إن هذا الكلام تبثه وسيلة إعلام ذات شأن ومن دون إرفاق المعلومة بتعليق يستنكر هذه الخطوة، يعني أن الكشف عن ذلك إنما هو برغبة رسمية وأنه بمثابة جس نبْض ذات طابع نفسي لمعرفة ردود الفِعْل الإسلامية على ذلك.
الاختبار الأول لعملية جس النبْض كان مع الأسف مدعاة للدهشة. لم يصدر موقف يضع حداً لهذا العدوان المرجأ تنفيذه، لكن ملامح الإقدام عليه واضحة بدليل أننا بعد النبأ المبثوث لم نسمع بما يعكس مشاعر الغضب الساطع على هذه الخطوة. وحتى الذي قاله نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي كان كلاماً يندرج في العموميات درجت الآذان العربية على سماعه عند كل عدوان إسرائيلي، لكن مع ذلك يُشكر الأخ أحمد، فهو سجَّل رأياً في غياب تسجيل وقفة عربية – إسلامية، وسجَّل الرأي الذي كنا نتوقع أن يصدر عن الأمين العام الجديد للجامعة أحمد الآخر (أحمد أبو الغيط) خصوصاً أنه بعدما بات على رأس جامعة العرب مُطالب بتبييض سطور في صفحة العلاقة المصرية – الإسرائيلية في بعض سنوات قيادته الدبلوماسية المصرية وزيراً مرموقاً للخارجية وقبل ذلك عضويته في وفد مصر الساداتية إلى محادثات «كامب ديفيد».
في الرأي الذي سجَّله نائب الأمين العام بن حلي ركزَّ على العموميات مثل قوله «إن ما تقوم به سلطات الإحتلال الإسرائيلي من توظيف مكشوف للأساطير والإختلاقات الكاذبة لتبرير إقتحام قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك هو إستفزاز صارخ لمشاعر المسلمين…».
هذه المفردات تتردد في البيانات والتصريحات ولا تخرج عن كونها مجرّد إبداء مشاعر في وقت يحتاج الموقف إلى ما هو أكثر من الكلام الذي يقطر مشاعر لا ترجمة لها. ولكم تمنينا لو أن إنعقاد القمة العربية الدورية في نواكشوط كان مناسبة لإتخاذ وقفة عربية حاسمة خصوصاً أن إنعقادها جاء في وقت بلغت مخططات الإستيطان الذروة. ويكاد لا يمر شهر إلاَّ ونقرأ عن عمليات تتم ضمن مخطط الإستيطان فضلاً عن جديد الإجراءات المحتْمل الأخذ بها وهو بناء سور يفصل غزة عن محيطها.
الذي يجعل إسرائيل تواصل هذه العربدة هو أن دول الأمتيْن منشغلة بـ «داعش» التي ربما تمّ تصنيعها أو إستيلادها لهذا الغرض. والذي يجعلها تواصل الإستيطان أن هناك عدّة «كيانات» فلسطينية إحداها شرعية نسبياً هي «السلطة الوطنية» التي تتخذ من رام الله مقراً رئاسياً لها، وأما «الكيانات» الأُخرى فإنها سواء كانت «حماس» الممسكة بغزة «دولة» لها أو «حركة الجهاد الإسلامي» الممسكة بها الثورة الإيرانية، فإنها بهذا التشرذم تشجّع إسرائيل على أن تقضم ما برمجت الإدعاءات التوراتية تليها المخططات الصهيونية لها قضْمه من الأرض وصولاً إلى دق أبواب المحرَّمات الذي هو الحرم الثالث.
كما أن الذي يجعل إسرائيل لا تأبه بأي مرجعية تعترض أو تندِّد بأفعال تندرج في بند العدوان سواء كان اغتيالات أو تصفيات أو زج فتية وفتيات في الأسر، كما يجعلها في الوقت نفسه تعبئ خفية المستوطنين وكلهم من المقاتلين الذين تشرَّبوا وليسوا مجرّد «قطعان» على نحو توصيف أحمد بن حلي لهم، أن الدول الفاعلة في الأمتين مشغولة الحال والبال بأمور إستجدت ناشئة لدى البعض عن أطماع وأحلام إمبراطورية. ومن الطبيعي في ظل هذا الإنشغال أن يتراجع، أو فلنقل يتم تعليق مصير الحرم الثالث.
إلى متى هذا؟ للكلام بقية..