Site icon IMLebanon

إسرائيل تعتدي… وحزب الله يتعاظم

تجهد إسرائيل كي لا تنشب «الحرب المقبلة» مع حزب الله. ويلات الحرب، وخسائرها المقدرة، تصعّب على صاحب القرار في تل أبيب أن يباشرها، وكذلك أن يقدم على اعتداء من شأنه أن يؤدي إليها، وإن تدحرجاً.

في الوقت نفسه، ترى إسرائيل أن حزب الله، المشغول في الحرب الدائرة في سوريا، غير معني في هذه المرحلة بالتدحرج أيضاً إلى حرب، لكنه أيضاً غير معني، بل ومندفع لمنع استباحة الساحة اللبنانية مهما كانت الأثمان. على ذلك، بات خارج الجدال، إسرائيلياً على الأقل، أن ردعاً متبادلاً يحكم الأفعال ويجنّب لبنان مغامرات إسرائيلية من شأنها أن تفضي إلى حرب، وهو واقع لم تعد إسرائيل تجد حرجاً بالإقرار به.

مع ذلك، وجدت تل أبيب ما يشغلها في مرحلة ما قبل الحرب. وهو ما يعرف إسرائيلياً باستراتيجيا «المعركة بين الحروب»، وعمادها منع حزب الله من امتلاك، أو تعاظم امتلاك، سلاح نوعي من شأنه أن يُدفّع إسرائيل أثماناً باهظة، إن نشبت الحرب. وبغضّ النظر عن الجدوى والفائدة المحققة، الترجمة العملية لهذه الاستراتيجيا، وجدت تعبيرها في الساحة السورية عبر شن ضربات مركزة ومدروسة جيداً ومتباعدة زمنياً، تقلص من إرساليات السلاح النوعي من سوريا وعبرها، إلى حزب الله في لبنان.

وإسرائيل تنظر إلى الساحتين، السورية واللبنانية، كجبهة واحدة. استعداداتها العسكرية والاستخبارية وخططها وتدريباتها موجهة بنحو رئيسي إلى هذه الجبهة بشقيها. إلا أنها، في المقابل، تدرك أنها في مرحلة ما قبل الحرب، تملك إمكانيتين متناقضتين في الساحتين، قد تسمح لها في الأولى أن تتحرك بما ليس متاحاً لها في الساحة الثانية. الساحة السورية، ونتيجة تعقيداتها وانشغال الجيش السوري بمواجهة أعدائه فيها، مكّنت إسرائيل من شنّ اعتداءات، بين الحين والآخر، في معظمها جاءت على هامش الحرب السورية، وموجهة تحديداً لعرقلة تعاظم حزب الله العسكري النوعي (المعركة بين الحروب)، فيما امتنعت في الثانية، لبنان، بعد محاولات عمدت إليها في السنوات الماضية، واجهها حزب الله بإرادة تفعيل القوة الموجودة لديه، وكادت أن تفضي إلى حرب، لا تريدها ولا تقوى على تحمل تبعاتها، فاضطرت إلى الانكفاء.

نتنياهو كان قد أكد أن منظومات دفاع جوي متطورة وصواريخ ياخونت وصلت إلى حزب الله في لبنان

إقدام سلاح الجو الإسرائيلي فجر أمس الأربعاء على إطلاق صاروخين سقطا في منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي، من دون إصابات، وهو ما لمّحت إسرائيل إلى أنه موجّه إلى منع تزوّد حزب الله بسلاح «كاسر للتوازن»، يستأهل الإشارة إلى الآتي:

أولاً: في حال صدقت إسرائيلي في ادعائها أم لم تصدق، وكانت غارة الصبورة تستهدف شحنة سلاح نوعي لحزب الله في لبنان، فهي تندرج ضمن استراتيجية «المعركة بين الحروب». هذه الاستراتيجية التي ثبت، بإقرار إسرائيل، أنها لم تحقق النتيجة التي وضعت لأجلها. لا هي منعت إرادة حزب الله في الاستمرار بالتزود بالسلاح «الكاسر للتوازن»، ولا هي منعت المزود (سوريا وإيران) من تزويد السلاح النوعي، كذلك لم تستطع، بإقرار إسرائيل أيضاً، منع تعاظم القدرة النوعية لحزب الله وتراكمها في الساحة اللبنانية. رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو كان قد نعى فاعلية هذه السياسة في أكثر من مناسبة، ومنها من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، 01/10/2015، بتأكيده أن منظومات دفاع جوي متطورة وصواريخ ياخونت وغيرهما، وصلت بالفعل إلى مخازن حزب الله في لبنان.

ثانياً: القدرة الإسرائيلية على توجيه ضربة جوية في الساحة السورية، ضد ما يصطلح على تسميته بإرسالية سلاح نوعي، هنا أو هناك، من ضمن إرساليات سلاح أخرى غابت عن العين الإسرائيلية، مكن حزب الله من التزود بكمٍّ هائل من هذا السلاح، وهذا ما تشهد عليه التقارير الإسرائيلية وتقرّ به تباعاً، وبحسب هذه التقارير تشمل الترسانة النوعية التي قفزت فوق استراتيجية «المعركة بين الحروب»: منظومات دفاع جوي متطورة، صواريخ بعيدة ذات قدرة تدميرية كبيرة جداً ودقة شبه موضعية، صواريخ أرض بحر نوعية مع قدرة تدمير ودقة. الأنكى من ذلك، بحسب التقارير الإسرائيلية نفسها، أن العداد الإسرائيلي لقدرات حزب الله النوعية لا يهدأ، وهو في تزايد مستمر، وبين الغارة والغارة ضمن «المعركة بين الحروب»، يقفز العداد من العشرات إلى المئات، فالألوف.

ثالثاً: تؤكد إسرائيل مرة تلو أخرى، أن حصر الضربات في الساحة السورية وانكفاءها عن الساحة اللبنانية، يأتي نتيجة إدراكها أن محاولة نقل المعركة إلى لبنان من شأنها أن تتدحرج إلى ردود فعل قد تقود إلى مواجهة لا يريدها الطرفان في هذه المرحلة، وهذه القناعة جاءت بعد أن حاولت وفشلت في توسيع نطاق الاعتداءات إلى الساحة اللبنانية، وأيقنت أن حزب الله سيردّ عليها مهما كانت التبعات، ما يعني أن انكفاءها لم يكن طوعياً عن لبنان.

رابعاً: الواضح، أن إرادة الفعل الإسرائيلي في الساحة السورية غير مفتوحة، وهي تعمل ضمن ضوابط أوجدها الردع المتبادل، رغم أن إسرائيل استطاعت إيجاد خرق في سوريا لشنّ اعتداءات مدروسة نتيجة الحرب الدائرة فيها وانشغال جيشها في محاربة أعدائه، وأهم هذه الضوابط: عدم وقوع إصابات، والمسارعة إلى الفعل الاعتدائي قبل تجاوز «إرسالية السلاح» الحدود مع لبنان. ضابطتان لا تحيد الاعتداءات الإسرائيلية عنها، منذ أن بدأت قبل سنوات في الساحة السورية، وهما تستأهلان التأمل.

خامساً: اختارت إسرائيل استراتيجية «المعركة بين الحروب» في الساحة السورية تحديداً، كخيار بديل من خيارات أخرى متعذرة، وأهمها اثنان: عدم القدرة على الوقوف مكتوفة الأيدي إزاء صمود النظام السوري وفشل الرهانات على إسقاطه، وتبعاً لذلك فشل خنق المقاومة في لبنان عبر سقوط الدولة السورية، وفي الوقت نفسه تعذر القدرة على الذهاب بعيداً في خيارات متطرفة من شأنها أن تؤدي إلى انفجار إقليمي واسع. ما بينهما، حاولت اشتراح خيار بديل محكوم بمجموعة من الضوابط تهدف إلى الحد من قدرات حزب الله وعدم حشره بما يؤدي إلى انفجار. لكن إسرائيل نفسها وتقويماً لهذه السياسة خلال السنوات الماضية، يؤكد مسؤولوها وخبراؤها وإعلامها أن هذه السياسة لم تحقق النتيجة التي وضعت لأجلها، وقصرت عن منع تعاظم حزب الله على الصعيدين الكمي والنوعي.