إسرائيل اليوم أمام مأزق كبير… فهي تدور في حلقة مفرغة، كما تجد نفسها أسيرة أحلامها.. وهي بالتأكيد تفتش عن حلّ يخرجها من هذا المأزق… فلا هي قادرة على تحقيق نصر يحقّق حلمها المستحيل في إبادة الشعب الفلسطيني، وإزالته من الوجود، ولا هي قادرة على «الصمت» بعد الضربة التي وجهتها لها المقاومة الفلسطينية في غزة ممثلة بـ»حماس» و»الجهاد» وحلفائهما، كذلك فهي تحتاج الى وقفة منطقية وعقلانية ضرورية للخلاص من محنتها تلك.
هنا أتوجه فكرياً نحو قمة القاهرة التي أدان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فيها استهداف وقتل وترويع المدنيين الفلسطينيين، معلناً تجديد الدعوة لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني وجميع المدنيين.
وأوضح الرئيس السيسي أنّ مصر انخرطت في جهود مضنية لتنسيق وإرسال المساعدات الانسانية، مؤكداً أنّ معبر رفح لم يتم إغلاقه من الجانب المصري، وأنّ إسرائيل هي من استهدفته بالقصف، والأهم ان الرئيس المصري رفض التهجير القسري للفلسطينيين، معتبراً ذلك تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، وشدد على ان الشعب الفلسطيني صامد ولا يرغب في مغادرة أرضه حتى وإن كانت تحت الاحتلال.
وأهم ما في المواقف التي اتخذها الرئيس السيسي، ما قاله من أنّ تصفية القضية الفلسطينية من دون حل عادل، لن يحدث، وأنه في كل الأحوال يجب أن يكون الحل في العدل وحصول الفلسطينيين على حق تقرير المصير، مشيراً الى ان مصر ستعمل على التوافق بشأن خارطة طريق لإحياء مسار السلام الذي سينتهي حتماً بحل الدولتين.
لقد سعى الرئيس المصري خلال القمة ومن خلال اتصالاته الى وضع حد للحرب الدائرة، حيث ركّز على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار… وعلى ضرورة وقف التصعيد وإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية وفقاً لحلّ الدولتين.
إنّ حلّ الدولتين هذا، والذي تحوّل الى شبه إجماع دولي منذ أن طرحته اللجنة الرباعية الدولية التي ضمّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ضمن خارطة طريق عام 2003.
لكن إسرائيل لا تريد هذا الحل، إلاّ بمعنى يصب في مصلحتها… وهنا أذكّر بما قاله باروخ يديد، المحلّل الاسرائيلي في القناة الاخبارية العبرية 14، الى ان الهوّة بين موقف إسرائيل والموقف الفلسطيني من «حلّ» دولتين، واسعة جداً.
يضيف المحلّل الاسرائيلي: عندما تتحدث إسرائيل عن حلّ الدولتين فإنها تستبعد بالتأكيد، القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها، كما يريد الفلسطينيون، فإسرائيل في عهد نتانياهو تتحدث عن الجانب الأمني، لكنها ترفض الحديث عن الحدود وغيرها من التفاصيل؛ وهذا ما أكد عليه عدد من الزعماء ومنهم الملك الاردني عبدالله الثاني الذي أكد أنّ لا حلّ للقضية ما لم ينل الفلسطينيون حقوقهم.
من هذه النقطة بالذات اعتبر ان مأزق إسرائيل حالياً بدأ يتسع… كما أرى ان المفاوضات وخارطة الطريق التي عمل الرئيس السيسي ولا يزال، هي الحلّ الوحيد لإنقاذ الأبرياء من الموت، وإخراج إسرائيل من محنتها.
وهنا أشدّد على ان هذا الحلّ الوحيد… للأسباب التالية:
أولاً: أذكّر بحرب أميركا في ڤيتنام والمعروفة أيضاً باسم الحرب الهندوصينية الثانية… ذاك النزاع الذي وقع في ڤيتنام ولاوس وكمبوديا ابتداء من 1 تشرين الثاني 1955 حتى سقوط سايغون في 30 نيسان 1975… لقد كانت الحرب الڤيتنامية، وباعتراف الأميركيين أنفسهم، حرباً غير أخلاقية وغير مبرّرة، والتي أدّت الى هزيمة نكراء لأميركا، وإعادة توحيد ڤيتنام الشمالية والجنوبية تحت اسم جمهورية ڤيتنام الاشتراكية.
وأذكّر كذلك انه بحلول عام 1964 كان عدد القوات الأميركية المتدخلة في الصراع في ڤيتنام 23000 جندي أميركي، وتضاعف العدد في أعقاب حادث خليج تونكين عام 1964… وفي النهاية تمّ سحب جميع القوات الأميركية بالكامل في 15 آب عام 1973… ولم تستطع أميركا البقاء رغم قوتها، لأنّ إرادة الشعب الڤيتنامي كانت الأقوى… وانتصر الحق وزهق الباطل، ولم تفلح القوّة.
ثانياً: أذكّر أميركا أيضاً بأفغانستان حين غادرت القوات الاميركية يوم 11 أيلول 2021 رغم انتقاد عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ للانسحاب أمثال كميتش ماكونيل وليندسي غراهام وجيم إنهون وجوني إيرنست وجين شاهين.
كل ما حصل، حدث رغم عنجهية أميركا ومكابرتها، فكان الانسحاب المذلّ من أفغانستان أكبر دليل على انتصار الشعوب المقهورة والمظلومة.
ثالثاً: وقياساً على ما تقدّم أقول أيضاً: إنّ العصابات الصهيونية المسلّحة خلال أحداث «النكبة» الفلسطينية عام 1948 ارتكبت عشرات المجازر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين العُزّل، ورغم المحاولات الاسرائيلية الحثيثة لإخفاء وطمس حقيقة تلك المجازر (ملاحظة: كنت قد شرحت ذلك بالتفصيل في مقالة سابقة) إلاّ أنّ شواهد تاريخية كالمقابر الجماعية وشهادات لجنود إسرائيليين شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم، ظلّت دليلاً دامغاً على وقوعها.
وأكبر دليل على همجية إسرائيل، الهجوم العسكري المجرم على غزة، لقد ارتكبت إسرائيل حتى اليوم أكثر من 50 مجزرة هناك، ضد عائلات فلسطينية، ما تسبّب في استشهاد الآلاف جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، كما دمّرت مئات المباني السكنية والأبراج في مناطق الكرامة والشاطئ والبريح ورفح وخان يونس ودير البلح وغيرها.
وهنا أتساءل: ماذا حقّقت إسرائيل؟ وهل استطاعت أن تدمّر وتقتل مقاومة الانسان الفلسطيني؟ بالعكس لقد رسّخت في نفوس كل الفلسطينيين حقداً زاد الشعب الفلسطيني إصراراً على الصمود والموت في سبيل حقه.
وبالتأكيد… لن تنجح إسرائيل في عدوانها هذا، مهما طال العدوان… فصبر وتصميم الفلسطينيين أكبر وأعظم، لأنه ما مات حق وراءه مطالب.
فما الحلّ يا تُرى؟ ليس هناك من حلّ إلاّ الجلوس إلى طاولة مفاوضات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي وضع حلولاً سلمية تنصف الجميع… إنه بحق، صاحب رؤية كبيرة ونافذة… فليتعظ الاسرائيليون مما حدث للأميركيين في ڤيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها من الدول.. وليجلسوا إلى طاولة المفاوضات وإعطاء الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم.. وإلاّ.. فلات ساعة مندم، وبخاصة بعدما مُنيت إسرائيل بانهيار كلّف أكثر من مائة مليار دولار:
1- خسارة قطاع السياحة.
2- خسارة البورصة 29 مليار دولار.
3- خسارة سوق السندات أكثر من 10%.
4- هبوط العملة بكلفة 45 مليار دولار لإنقاذ الشيكل.
5- أضرار البنية التحتية 4 مليارات دولار.
6- تعطل ميناء عسقلان بـ2 مليار دولار.
7- التكاليف المباشرة جرّاء العدوان 7 مليارات دولار، ناهيك عن الخسائر غير المباشرة.
كل هذا سيؤدي حتماً إلى انهيار الدول العبرية إن لم تعترف بحق الفلسطينيين بدولتهم كما يحاول الرئيس المصري إفهام من لا يريد أن يفهم.