IMLebanon

قراءة إقليمية متشائمة: الحرب طويلة وخشية من التهجير والتقسيم

 

لم يأت التصعيد الإسرائيلي الأخير، أمس، خرقا للهدنة التي اتسمت بالهشاشة منذ يومها الاول، بالمفاجىء ولن يكون أي خرق مقبل لهدن مقبلة مفاجئا هو الآخر، لكن السؤال يبقى بمآلات هذا التصعيد العسكري وغيره سواء على صعيد غزة أو ما يتعداها في الاراضي الفلسطينية وخارجها.

 

كان واضحا أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية رضيت بالهدنة مرغمة نتيجة عوامل كثيرة: صمود المقاومة الفلسطينية، العدد الهائل من الشهداء والجرى الذي أثر كثيرا على الرأي العام العالمي وبالتالي الرسمي، الموقف العربي الرافض للعدوان والصامد في وجه التهجير، الجبهات العسكرية الموازية الشاغلة للاسرائيلي والمهددة لتوسع القتال، طبعا إنعدام الخيارات الإسرائيلية في غزة باستثناء التدمير ما يؤثر على الرأي العام الإسرائيلي، ومسك حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إسرائيل من عنقها عبر ورقة الرهائن لديها من إسرائيليين وغيرهم وخاصة أميركيين.

 

 

حلم التهجير أولوية الإسرائيلي

تحتفظ أوساط إقليمية بقراءة تقترب من التشاؤم في تقييمها لكل ما يجري.

 

بالنسبة إليها فإن الهدف الإسرائيلي الأهم في الوقت الحالي هو تحقيق حلم إسرائيلي قديم بالترانسفير وهو حلم تتوارثه الأجيال منذ ما قبل تأسيس الكيان الاسرائيلي قبل 75 عاما.

 

هنا تتوقف الأوساط عند خشية من فرض هذا التهجير ابتداء من تهجير أهل غزة (وكثير منهم تهجروا أصلا إلى غزة) في الشمال نحو الجنوب، ثم تهجير أهل الجنوب نحو الأراضي المصرية.

 

ترفض القاهرة بشدة هذا المخطط وتُصر على مقاومته، لكن البعض يخشى أن يفرض هذا الأمر إنطلاقا من دواع إنسانية وتحت عنوان “مؤقت” قبل فرضه مع الوقت. وهو مخطط تتهدد به دولة الأردن أيضا التي يعد مجتمعها المختلط مناصفة تقريبا بين الاردنيين والفلسطينيين اكثر حساسية لهذا المخطط، ويخشى على هذا الصعيد أن يستعمل الغرب العصا الاسرائيلية والجزرة المالية لفرض ذلك بينما يبقى الصمود الرسمي والشعبي المصري والأردني هو الفيصل في إفشال هذا الخطر. لكن قبل ذلك صمود المقاومة الفلسطينية وضغط عامل الزمن على حكومة بنيامين نتانياهو والرهان على تفتتها من الداخل والضغط الشعبي الداخلي عليها كون لا حل، كما تقول الأوساط، في وجود هذا الرجل وحكومته.

 

إنها قراءة لا تفصل بين ما يحدث في فلسطين وما يجري في العالم من محاولة اميركية لرسم موازين قوى وخرائط في المشرق العربي كما في سوريا والعراق، وفي أرض النيل كما في السودان، مع محاولة ضبط الجنون الإسرائيلي بما يتوافق مع المخطط الاميركي الواسع للمنطقة.

 

 

تقارب إيراني سعودي؟

 

 

هنا يجب ان تتكامل الظروف المواجهة لهذا المخطط وعلى رأسها الموقف العربي الموحد الذي سبق وخرج بموقف عالي السقف ضد العدوان، ولكن الأهم، محاولة رأب الصدع بين الموقفين العربي، الخليجي تحديدا، والإيراني، وتشير هذه القراءة الى أن الارتداع الإيراني عن توسيع نطاق الحرب واشعال المنطقة، يعود الى التقارب الحاصل مع السعودية والرغبة المشتركة الإيرانية السعودية في تجنيب المنطقة الاسوأ.

 

في كل الأحوال تتقاطع هذه القراءة مع قراءة إقليمية خليجية ليست على توافق تام مع هذا التحليل لكنها تشترك معه في اعتبار إن اسرائيل قد استهلت أمس مسارا حربيا مستجدا سيطول وله اهدافه، ومنها تطويق المسعى القطري المصري الاميركي في تحقيق خرق جدي على صعيد تبادل الرهائن وبالتالي تحقيق الخرقا المستقبلي اللازم في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

 

كل ذلك يفتح الأبواب أمام اسئلة كبرى: إلى متى ستستمر هذه الحرب؟ ما هي آفاقها الزمنية والجغرافية؟ ما هو مستقبل غزة؟ هل سيتمكن الإحتلال من فرض سيطرته على كامل القطاع وتدمير المقاومة؟ ولكن هل يمكن اقتلاع “حماس” شعبيا بهذه البساطة وإحلال سلطة أخرى تحت غطاء عربي ودولي؟ ثم هل ان السلطة الفلسطينية التي دمرتها الحكومات الاسرائيلية المتتابعة تستطيع تولي الأمر وهل تقبل أصلا بذلك؟ وماذا بعد كل ذلك على صعيد “عملية السلام” التي قبلها الفلسطيني مرغما ومظلوما ورفضها الاسرائيلي مختارا وظالما؟

 

على العموم في خلاصة هاتين القراءتين أن حرب غزة ليست قريبة من الاختتام حتى لو تخللتها هدن وراء بعضها البعض. أما عن مدة الحرب فلا تقدير لذلك سواء طالت الحرب لأسابيع أو لأشهر وسيكون للعوامل التي ذكرناها أعلاه التأثير الكبير على انهاء الحرب.

 

الدقيق في الموضوع هنا يتمثل في أن أيا من اللاعبين لا يملك إجابات على تلك الأسئلة بمن فيهم المتقاتلين والمفاوضين أنفسهم، لكن الأكيد أنه مهما تعاظم جبروت الإحتلال فإن إرادة الشعب الفلسطيني لن تنكسر وهو لن يعيد تجربته المريرة في العام 1948.