Site icon IMLebanon

إنتخابات إسرائيل.. و«حزب الله»!

 

ثمة مفارقات كثيرة، ومثيرة للانتباه في الانتخابات التي ستشهدها إسرائيل غداً. ما يميّز هذه الجولة، المعادة، هو التعقيدات الحادّة في المشهد الانتخابي، الذي لم تعرفه أيّة جولات انتخابية سابقة، والتي تجعل كافة المراقبين عاجزين عن توقّع ما ستؤول إليه، في ظل اشتداد حالة الاستقطاب بين حزب «الليكود» ومعارضيه، على نحو يجعل الاستقرار السياسي في المرحلة المقبلة مستبعداً. هذه الصورة ترد في تقييم أحد الخبراء في الشأن الإسرائيلي، للواقع الإسرائيلي عشية الانتخابات.

 

في هذا التقييم، انّ السبب المباشر، والأكثر وضوحاً في معركة الانتخابات الحالية، هو أنّ بنيامين نتنياهو يخوض معركة انتخابية وجودية في طابعها، على طريقة «إما قاتل أو مقتول». فالتناقضات الداخلية خلال فترة تولّيه منصب رئاسة الوزراء قبل عشر سنوات، باتت أكبر من قدرته على اتباع الوصفات السياسية التقليدية، في مواجهة خصومه في اليمين واليسار على حدّ سواء، والمهارات التي اكتسبها من خبرته الأميركية، لم تعد كافية لتحقيق مكاسب في اللحظات الأخيرة، على غرار ما جرى في آخر جولات التصويت قبل أشهر.

 

السبب الثاني، يكمن في أنّ المجتمع الإسرائيلي بات، منذ سنوات، أكثر جنوحاً نحو النزعات اليمينية، وهو ما يفرض بالتالي معادلات انتخابية، سواء عند «الليكود» أو منافسيه – اليمينيين أيضاً – ما يجعل البرامج الانتخابية مرتكزة بشكل أساسي على ما يمكن تقديمه للأحزاب اليمينية، لا سيما الأكثر تطرفاً، لحسم النتيجة الانتخابية.

 

السبب الثالث، هو امتداد للسبب الأول، فإرضاء الناخب اليميني يتطلّب من كل الأحزاب المتنافسة الذهاب نحو خيارات متطرّفة في السياسة الداخلية والخارجية، ولا سيما في ما يتعلق بالمستوطنات والأمن، على النحو الذي دفع ببنيامين نتنياهو إلى الذهاب نحو مغامرات عسكرية من قبيل «حرب المسيّرات» ضد «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، فضلاً عن خرق الخطوط الحمراء مجدداً في الميدان السوري… أو مغامرات سياسية على شاكلة وعده الانتخابي بضم منطقة الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية في حال تجديد الناخب الاسرائيلي البيعة السياسية له.

 

يلفت الخبير المذكور، الى أنّ الاستقطاب الحاد ضمن المعسكر اليميني بات سمة راسخة منذ عقد في الانتخابات الاسرائيلية، إلّا أنّ حدّته بلغت ذروتها في الانتخابات الحالية، في ظل حالة عدم الاستقرار في السياسة الداخلية في إسرائيل، والتي تجعل هذه المعركة الانتخابية تكتسب خصوصية فريدة، ربما لم تختبرها اسرائيل من قبل، ومن أحد أشكالها، أنّ أحداً من المراقبين لا يستطيع التكهّن بنتائجها، بحسب ما تشي استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي تجعل المعركة بأسرها، وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات سياسية، أو ربما عسكرية، رهناً بستة سيناريوهات، يحظى كل منها بفرصة متساوية:

 

السيناريو الأول، يتمثل في مفاجأة، أو بالأحرى هدف في الوقت الضائع، يجعل «الليكود» يتفوّق بشكل كبير على حزب «أزرق أبيض» المنافس، ويمكّن نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومي. هذا السيناريو يتطلب حصول «الليكود» على 61 مقعداً في الكنيست من خلال التحالف مع أحزاب «يمينا» (يمين) و«شاس» (ديني متطرف) و»يهودية التوراة المتحدة» (ديني متطرّف)، ما ينبئ بتشكيل حكومة مستقرة.

 

السيناريو الثاني، هو أقرب إلى الأول، ويتمثل في فوز «الليكود» بدعم من بعض قيادات حزب «أزرق أبيض» ممن يتفقون أيديولوجياً مع نتنياهو، وبذلك يتكوّن ائتلاف حكومي يجمع فيه نتنياهو «منشقي» حزب «أزرق أبيض» الى جانب حزب «يمينا» والأحزاب الدينية الأخرى.

 

السيناريو الثالث، يتمثل في فوز «الليكود» بغالبية بسيطة، ونجاح نتنياهو في ضم حزب «ازرق ابيض» إلى ائتلاف حكومي، وهو ما يتطلب تقديم تنازلات سياسية، في جوهرها داخلية.

 

السيناريو الرابع، مناقض لما سبق، ويتمثل في فوز حزب «أزرق أبيض» بالغالبية، لتنتقل بذلك رئاسة الوزراء إلى بيني غانتز، خصم نتنياهو الرئيسي، عبر تشكيل تحالف حكومي يضمّ أحزاب اليسار، مثل «حزب العمل» و»جيشر» و»الاتحاد الديموقراطي»، وهو سيعد تحوّلاً جذرياً في الخريطة السياسية المستقرة منذ عشرة أعوام.

 

السيناريو الخامس، يبدو مشابهاً للسيناريو السابق، مع فارق جوهري، وهو فوز حزب «أزرق أبيض»، مع فشل أحزاب اليسار في حصد مقاعد كافية لانخراطها في تحالف انتخابي مع غانتز، ما يجعل الأخير مضطراً للتحالف مع أحزاب اليمين، التي يُفترض أن تنقل بندقيتها من كتف نتنياهو إلى كتف الحزب الفائز البديل.

 

اما السيناريو السادس، والأكثر ترجيحاً، فهو عدم حصول أيّة كتلة على الغالبية، وبالتالي، الفشل في تشكيل ائتلاف حاكم، يؤدي الى غرق الإسرائيليين مجدداً في دوامة انتخابية، تتطلب إجراء دورة جديدة.

 

في رأي الخبير نفسه، انّ عدم اتضاح الرؤية يبدو السبب الجوهري في جنوح الكل نحو التصعيد والتشدّد، لا سيما في القضايا المتصلة بالمستوطنات والأمن القومي الإسرائيلي، ولعلّ هذا ما يفسّر على سبيل المثال الكثير من التحرّكات التي قادها نتنياهو خلال الأيام السابقة للانتخابات، بعدما تيقّن أنّ الهدايا القادمة من الخارج، كما هي الحال مع إقرار ترامب لما يُسمّى السيادة الاسرائيلية على الجولان أو رفاة الجندي التي تسلّمتها اسرائيل من روسيا قبل الانتخابات الأخيرة، لم تعد تجدي نفعاً.

 

العنصر الرئيسي بالنسبة إلى الكل يكمن في الاستجابة لابتزاز المستوطنين الذين يضغطون على كل القوى المتنافسة.

 

من هنا، أتى خيار نتنياهو، على سبيل المثال، بلعب أوراق عصبوية، من قبيل إخراج أوراق عديدة تدغدغ مشاعر المستوطنين، كقضية الحرم الابراهيمي والأغوار، أو حتى حرب المسيّرات في العراق وسوريا ولبنان، فضلاً عن التحريض المستمر على إيران.

 

الأمر نفسه ينسحب على غانتز، الذي يجد نفسه منخرطاً في بازار المزايدات لإقناع المجتمع الإسرائيلي بأنه بديل أكثر يمينية وتطرفاً من نتنياهو. ومن هنا تأتي شعاراته الانتخابية المتطرفة من قبيل «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل» و«استمرار السيطرة الإسرائيلية على وادي الأردن»، و«الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية»، وبطبيعة الحال قضية الأغوار، حين صرّح مؤخراً بأنّ هذه المنطقة «لا يمكن إلّا ان تكون تحت سيطرتنا الكاملة».

 

في كل الأحوال، لا يبدو أنّ ارتفاع مستوى الخطاب الانتخابي سيكون مريحاً لهذا المعسكر أو ذاك أياً كان الفائز، أو السيناريو المحقق. فالجانب غير المعلن في المعركة الانتخابية أنّ كل الحراك في الحلبة الاسرائيلية خلال الأسابيع الماضية كشف عن نقاط ضعف كبيرة، وإن كانت قد أصابت نتنياهو أكثر من غانتز.

 

أول نقاط الضعف تلك، تمثل في المواقف الخارجية من ملف الاستيطان، والذي أثار ردود فعل متفاوتة من الخارج، أجمعت، بمعظمها على رفض الطروحات المتصلة بترسيخ حقائق جديدة على الأرض. حتى أنّ نتنياهو تعرّض لانتكاسة سياسية حينما رفض الكثير من قادة الدول، بما في ذلك قادة دول عربية كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الاردن عبد الله الثاني لقاءه، وحينما فضّل دونالد ترامب التريّث في الاعلان عن «صفقة القرن». فكل ما حظي به نتنياهو هو لقاء يتيم مرتقب في مدينة سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يدرك الاسرائيليون جيداً أنه لن يقدّم «خدمة» لنتنياهو من دون ثمن سياسي.

 

الجانب الثاني من نقاط الضعف يتمثل في سقوط الورقة الايرانية من معادلة الانتخابات الإسرائيلية، وقد تبدّى ذلك بشكل واضح في عدم استجابة الجمهور الاسرائيلي لهذه الورقة الانتخابية، فضلاً عن الضربة التي تلقتها اسرائيل بخروج جون بولتون من دائرة صنع القرار في البيت الأبيض، وتوجّه دونالد ترامب نحو الخيار الدبلوماسي مع ايران.

 

أما الجانب الثالث، وهو الأهم، فيتمثل في أنّ الصوت التفضيلي في الانتخابات الإسرائيلية بات في يد «حزب الله»، وهو ما كشفته ردود الفعل الاسرائيلية على عمليتي افيفيم ورامية، والتي أقرّت بغالبيتها على ان التطورات الأمنية الأخيرة استطاعت أن تفرض نفسها على أجندة القوى السياسية الإسرائيلية.