كلّ الأنظار منصبّة على سوريا والعراق واليمن وليبيا، لكنّ الساحر الإسرائيلي سيفاجئ الجميع بـ»الأرنب» الذي سيقفز من قبعته. وسيكتشف الجمهور «المنذهل» بأنّ المشاهد العربية العاصفة، التي ملأ بها وقته، كان هدفها إلهاء الجميع وإنضاج «الطبخة» في مكان آخر.
سارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للاجتماع والبحث في تحريك مسار السلام المتوقف بين الجانبين.
ويطرح الإسرائيليون تنفيذ مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية وأقرّتها القمة العربية في بيروت عام 2002، ولكن بعد إدخال تعديلات أساسية عليها تؤدي إلى نسفها عملياً.
ووفقاً لمعلومات المصادر الفلسطينية المتابعة، يرغب الإسرائيليون في محادثات مع الفلسطينيين، تشارك فيها قوى عربية وإقليمية ودولية، قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، وترمي إلى تنفيذ خطة تقوم على الآتي:
1 – تعلن إسرائيل موافقتها على المبادرة العربية للسلام. وتكون مصر والمملكة العربية السعودية ضامنتين لالتزام السلطة الفلسطينية بها، فيما يكون لتركيا وقطر دور في ضمان التزام «حماس» في قطاع غزة. ومن هنا جاء الترميم المستجد للعلاقات بين إسرائيل وأنقرة.
2 – تعلن إسرائيل التزامها الصُوَري بإقامة دولة فلسطينية في غزة، وحكم ذاتي في الضفة. وفيما تتمسّك إسرائيل بالقدس عاصمة لها، سيتمّ تثبيت المستوطنات كلها، ويتمّ تشكيل لجنة متابعة لملف المدينة.
ويتحدث البعض عن نيّة إسرائيلية للتحايل بتوسيع نطاق القدس إدارياً في اتجاه أريحا في الضفة الغربية، على أن يوضع هذا الجزء ضمن سلطة الحكم الذاتي للإيحاء بأنّ القدس هي عاصمة الفلسطينيين أيضاً. وتتولّى لجنة خاصة متابعة مسائل الحدود.
3 – تشكيل لجنة تُعنى بملف اللاجئين. ويرمي الإسرائيليون إلى إنشاء صندوق دولي ضخم، قوامه عشرات المليارات من الدولارات، من الدول المانحة ولا سيما منها الدول العربية الغنية، لتعويض اللاجئين إمّا عودتَهم إلى مناطق محددة في القطاع وسيناء وإمّا بقاءَهم في مناطق الشتات، باستثناء أقلّية منهم تتمّ إعادتهم رمزياً إلى مناطق 1948.
ويتحدث البعض عن ضغوط مباشرة وغير مباشرة، بأشكال مختلفة، تمارَس على مصر للموافقة على تأجير منطقة معيّنة من شبه جزيرة سيناء لنقل فلسطينيين إليها من مناطق داخلية وخارجية. وتتمتع هذه المنطقة بمنفذ بحري مفتوح على القطاع والجزء الفلسطيني من النقب، مع ممرٍّ آمن إلى مناطق الحكم الذاتي.
وقبل فترة، جرت في إسرائيل بلورة خطة التطوير الاقتصادي لأبناء الأقليات خلال السنوات 2016 – 2020، التي تمّت الموافقة عليها في كانون الأول 2015، وهي تقضي بمساعدة البيئة العربية على النهوض اقتصادياً.
4 – أن تعترف الجامعة العربية، بدولها كافة، بإسرائيل وبإقامة علاقات طبيعية معها.
هذا السيناريو يسعى الإسرائيليون إلى تسويقه، خصوصاً بعد إحباط المبادرة الفرنسية. ويتولّى الروس والأتراك والمصريون مهمات أساسية في التحضير له، فيما يربط بعض المتابعين بين هذا السيناريو وبين زيارة رجل الاستخبارات السعودي السابق أنور عشقي لإسرائيل أخيراً.
فالقوى الإقليمية كلها محشورة: الدول والأنظمة العربية كلها منشغلة بحروبها وأزماتها المصيرية، وتركيا تحاول ترقيع وضعها الداخلي بعد المحاولة الانقلابية وعلى الحدود مع سوريا، وإيران لا تضع الملف الفلسطيني أولوية تتقدم على مصير حلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
إذاً، يقول المتابعون: «يبذل الإسرائيليون في الفترة الأخيرة جهوداً استثنائية للانطلاق في تنفيذ خطتهم. فكلّ شيء ناضج أمامهم في الشرق الأوسط، فيما الأميركيون يعيشون الأشهر الأخيرة من ولاية أوباما المستقيل أساساً من أزمات المنطقة. وإلى أن يأتي الرئيس المقبل، يمكن تأسيس كثير من الخطوات.
ينتظر الإسرائيليون أن يصل العرب جميعاً إلى وضعية الاهتراء، وهذا ما حصل. وقد انتهت الحرب الكبرى في سوريا، وبدأت الحروب الصغيرة، حروب التصفيات وترتيب المواقع المنظَّم والمدروس.
فقد شنّ الطيران الروسي هجمات في حلب وَسَّعت رقعة الأسد، من دون أيّ صوت اعتراضي تركي. بعد ذلك، دخلت تركيا و«نظّفت» غرب الفرات من القوات الكردية من دون أيّ اعتراض، بل بدعم أميركي. ثمّ برزت صفقة داريا بسكوت الجميع… والبقية ستأتي سريعاً على ما يبدو.
ويعتقد الخبراء أنّ مساراً من هذا النوع، بمشاركة أميركية – روسية – إيرانية – تركية، وبالتنسيق الحثيث مع إسرائيل، سيتوالى في سوريا والعراق وينتهي برسم معادلات جديدة للقوى في الشرق الأوسط الجديد، حيث تتقاسم القوى الدولية والإقليمية مساحات النفوذ في البقعة العربية المفكّكة.
ولذلك، يسوّق الإسرائيليون لمبادرة السلام العربية (بيروت 2002) ولكن بعد قلب أولوياتها رأساً على عقب، ما يتيح لإسرائيل تصفية الملف الفلسطيني على طريقتها.
وكان الأمين العام للجامعة العربية السابق نبيل العربي ردّ على المطالبة الإسرائيلية بتعديل المبادرة، قبل انتهاء ولايته في حزيران الفائت، قائلاً: «يطلبون منّا تنفيذ الالتزامات أولاً حتى تفكر إسرائيل بتعهداتها، وهذا تحايل. فالمبادرة العربية لها فلسفة وترتيب، وصدرت بها قرارات من 14 قمة عربية حتى الآن».
ولكن، في المواجهة، مَن سيرجّح الكفّة: إسرائيل أم العرب المتردّدون في الاستجابة لها؟
يتوقع المتابعون أن تكثّف إسرائيل ضغوطها في هذه الفترة على بعض القوى الدولية والإقليمية، ولا سيما منها الدول العربية الفاعلة، لإقناعها بالسير في الخطة. وهي مقتنعة بأن لا مفرّ لهذه القوى من هذا الاستحقاق.
وأبلغ الرئيس الفلسطيني أخيراً الى وزير الخارجية الأميركي جون كيري رفضه اقتراح واشنطن عقد اجتماع يضمّ السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن وروسيا واليابان والسعودية والإمارات، لتحضير الأرضية لاستئناف المفاوضات.
واعتبر عباس أنّ هذا الاقتراح يشكّل التفافاً على المبادرة الفرنسية ومبادرة بيروت 2002 في آن معاً، بل محاولة لتطبيق الأخيرة مقلوبة أي «من الخلف». وتوقّع أن تكون السعودية أيضاً رافضة الاقتراح.
لكنّ مستوى الضغوط التي يتعرّض لها عباس كبيرة، وكذلك حركة «حماس». فكلا الطرفين الفلسطينيين باتا اليوم في وضعية محشورة جداً، خصوصاً لجهة التمويل. ولا بدّ من القبول ببعض الطروحات الآتية من جهات تمتلك المال.
لذلك، يبدو منطقياً الاعتقاد بأنّ اللقاء الذي يطالب نتنياهو بعقده مع الرئيس الفلسطيني في تشرين المقبل في موسكو، برعاية الرئيس فلاديمير بوتين، سيحصل… وبعد ذلك ستكرّ السبحة، وستتمكن إسرائيل من فرض خياراتها فيما العرب منشغلون بأنفسهم. فمن نواميس الطبيعة أنّ كلّ مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وأنّ الحق يكون دائماً إلى جانب الأقوى.