أميركا قبل إسرائيل، تحقق في تسريبات عن خطط إسرائيل، لمهاجمة إيران. ولهذا ربما تتأخّر الضربة الموعودة لإيران، حتى أجل غير مسمّى. ولا بأس في ذلك، يقول وزير خارجية إيران عراقجي. فقد حدّدت طهران بنك أهدافها في إسرائيل، وأن الدبلوماسية معها، ما زالت ممكنة.
كنا ننتظر منذ أول أسبوع على عملية طوفان الأقصى، أن يخرج أحد علينا، برواية ثانية، غير الرواية المكررة. جاءت هذه المرة من الرئيس ترامب. عوّدنا على نوع من اللابسيس – Labsus السياسي، الذي يشيع على ألسنة السياسيين. تنزلق الكلمة من بئر الأسرار على فمهم دون أن يدروا بها. سبق له أن أتحفنا بضربة مرفأ بيروت. واليوم كان موعد «اللابسيس-Labsus» الثانية. قال لنا: لو كنت رئيسا لما سمحت بعملية طوفان الأقصى.
هل كانت هذه العملية منسقة، بين الأجهزة الإستخباراتية المتحدة؟ سؤال حقا هو كثير الأسئلة. أجهز على السنوار، بطل الرواية السابقة. رتبوا قتله هذه المرة، قبل أن ينطق بالحقيقة المرّة. مات وهو يظن نفسه بطلا. كفى بذلك مفخرة!
لا نقول شيئا زائدا، عمن كان يقول: ما دفع حماس، لتدمير نفسها بنفسها! كانت دولة لها مؤسساتها الكبرى، وكان تحتها كل قطاع غزة، كان تحتها أعظم خزان للنفط والغاز، وأعظم حقل للورد، وأعظم بيارة للبرتقال، وأعظم شاطئ على المتوسط، وسطا بين جنان الدنيا. فهل كانت حماس، كما تبدو اليوم إسرائيل، دويلة مخترقة، تسرّبت خطتها في الرد على إيران، قبيل سويعات من ضربتها؟!
إبتاعت إسرائيل بأسراها، كل كنوز القطاع: بحرا وبرا وجوا. وصار الشعب هناك عبيد طرود الإغاثة، علب الطعام وعبوات الماء، وإبر الشفاء العاجلة.
سنظل ننتظر حتى آخر الفيلم. فهو فيلم أميركي طويل. وأميركا، في قارتها البعيدة، لا يبدو لنا أنها على عجلة من أمرها.
سؤال آخر يدور في الأذهان عن دويلة «حزب لله»، وهو لعمري أشبه بالسؤال عن دويلة غزة الآفلة، فما أغراها في الإسناد؟ من جعلها مع غزة، متكافلة متضامنة، في ورقة واحدة؟ نعم يحق لنا أن نسأل بعد كل هذا المصاب العظيم الذي حلّ بنا: من أغرى «حزب لله»، بحرب الإسناد؟ من زيّن له إسناد غزة؟ على رغم من تجربة سابقة: جنديان إسرائيليان، مقابل الجنوب والضاحية.
كان لـ«حزب الله» دولته فوق الأرض، بكنف الدويلة اللبنانية، هكذا نقول الجملة، بصيغتها العارية. وكان لـ«حزب لله» دولته تحت الأرض، بطول البلاد كلها. لا نخص الهلال وحسب، وإنما نذهب أبعد من ذلك بكثير، إلى حيث وطئت أقدامه في كل أرض جديدة، في كل عاصمة جديدة، في كل مدينة جديدة، في كل بلاد جديدة.
كانت لـ«حزب لله» خزائنه. كان له شعبه. كان له جيشه. كانت له حكومته. وأما قائده، فقد كان إبن بجدتها: وجها ويدا ولسانا.
فمن وما أغراه، بالتكافل والتضامن مع غزة حقا، ولا مظلة تحمي شعبه في الأحياء المتساندة على أذرعها الشحيحة ماء وطعاما وكسوة، ولا مظلة تقي شبابه، حين يغار عليهم بالطائرات وبالقنابل وبالكاميرات الخفية القارئة المستحدثة؟!
إسرائيل اليوم تستكمل مشروعا مخططا له، منذ ما قبل عملية السابع من أكتوبر. يقوله صراحة بنيامين نتنياهو: نحن في الحرب الثالثة، بعد حرب التأسيس، وبعد حرب التوسعة. نحن اليوم في حرب القيامة. فمن جرّ «حماس» و«حزب لله» للتكافل والتضامن، وتفجير الجدار الفاصل، وسوق ألفي أسير، مثل خطف البصر، وإسرائيل وأميركا، تنامان نومة الأخطبوط، بعين واحدة؟!
«يداكا أوكتا وفوك نفخ»، كلما تذكرت هذا المثل القديم، إزدت قشعريرة، من هول الطوفان الذي حلّ بنا. الملايين من الشعبين الفلسطيني واللبناني، يساقون إلى الشتات، في أعظم نكبة، في أعظم سقطة، في أعمق حفرة وقعنا بها.
أين حقا، «قابل الخبراء» ليحكم بيننا؟ ليقول: أين أخطأنا وأين أصبنا؟ ليقول لنا: على من تقع جريرتنا؟ لا زال صوت ترامب يرنّ في آذاننا: «الحرب لم تكن لتندلع لو كنت رئيسا». فليذهب وزير الخارجية اللبناني في جولة أوروبية لوقف النار، وليتقدم منا هوكشتاين، ليرشدنا: «إنتخاب رئيس للبنان يتقدم على وقف النار». يصرّ على ذلك في لقاءاته كلها. ثم تستمر إسرائيل بإنذارنا بإخلاء بيوتنا لطائراتها، ولا راد لأجلنا، إذا لم توسّع لنا دروب الهروب، إلى البيئات الحاضنة لنزوحنا. وتظل إسرائيل تطاردنا، حيث تشاء طائراتها، ولا توفر مرتفعا ولا مخبأ ولا طاقما طبيا، ولا مدرسة إيواء. بينما الصفدي، مبعوثا من عبدلله الثاني، يزور دمشق، لإستكمال لقاءات «محور الممانعة»…
أهذه هي إذن الحرب الكبرى التي تنتظر على أبوابنا: وخلفها أميركا وإسرائيل؟ أما إيران، فهي تعتذر عن الحضور، لأنها راعية محور الممانعة؟!
أين قابل الخبراء، مرة أخرى، يعرّي لنا الحقيقة؟ إن شعبنا لم يعد يطيق الدهاء، لم يعد يطيق الزيف والتزيين، دفع من ماله ومن دمه ومن أرضه ومن كرامته، ثمن الخديعة. أين قابل الخبراء يعطينا الحقيقة العارية؟!