IMLebanon

قراءة جديدة في فلسفة مقاومة إسرائيل

 

 

في مثل هذا اليوم من العام الماضي أعلنت دولة إسرائيل العدوّة لدولة لبنان بحسب الدّستور اللبناني البدء بحفر قناة «بن غوريون» الموازية لقناة السويس من إيلات إلى المتوسّط، بكلفة 16 مليار دولار أميركي، مموّلة من قروض بفوائد متدنية جدّاً من ثلاثة مصارف أميركيّة. كذلك تمّ افتتاح محطة حاويات جديدة في ميناء حيفا تديرها مجموعة “شنغهاي الدولية للموانئ” المملوكة من الصين، وهذه المحطة قيمتها 1.7 مليار دولار وهي قادرة على التعامل مع السفن الكبيرة التي تضمّ حوالى 18,000 حاوية؛ وقالت وزيرة النقل آنذاك ميراف ميخائيلي «إن إسرائيل تشرع الآن في مغامرة جديدة، وهي الوفاء بوعد ميناء حيفا، وقريباً الميناء الجنوبي في أشدود، لتسريع التنمية الاقتصادية لإسرائيل، وزيادة الصادرات والتجارة، وسدّ الفجوات الاجتماعية، وخفض الاسعار».

 

ذلك كلّه أتى بعد عام من بدء التطبيع مع دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، وبعد عام من تدمير مرفأ بيروت. واليوم نحن في لبنان على قاب قوسين من إجراء الانتخابات النيابية التي من المفترض أن تُجرى في الخامس عشر من أيّار القادم، لتُنتَج سلطة تعد بالنهوض الاقتصادي والسياسي، ليستعيد لبنان عافيته بعد سيطرة تامّة لـ»حزب الله» على مفاصل الدّولة بمعظمها، وتحويله إلى ساحة إيرانيّة للدخول في الصراع العربي – الاسرائيلي الذي تحوّل إلى فارسي- إسرائيلي، بعد اتّفاقيات «ابراهام» للسلام والتطبيع مع إسرائيل مع عدد من الدّول العربيّة.

 

واليوم مفروض علينا كلبنانيّين أن ننخرط جميعنا لا في مقاومة إسرائيل كما يزعم «حزب الله»، بل بمواجهتها مواجهة استراتيجيّة؛ لتصبح الاشكاليّة المطروحة عندها: كيف لبلد منهوب ومفلسٍ ومدمّرٍ اقتصاديّاً ومعزول عربيّاً ودوليّاً أن يواجه دولة عدوّة مثل إسرائيل؟ هذه الدّولة التي يتفاوض معها لبنان بالواسطة لترسيم حدوده البحرية معها، تسعى لتحويل محيطها اليوم إلى محيط صديق. في حين أنّ «حزب الله» ما زال يصرّ على زوالها ويفاوضها على ترسيم الحدود وحوّل محيط لبنان كلّه إلى محيط عدوّ.

 

هذه الازدواجيّة في المواقف لا تبني وطناً، ولا تُستَغَلُّ انتخابيّاً، ولا تُصرَفُ وطنيّاً. وليس كلّ مَن يرفض زجّ لبنان في محور إيران يكون أميركيّاً وصهيونيّاً كما يزعم «الحزب» في ثقافته الحضاريّة. هذه الثقافة لا تبني وطناً.

 

نحن لا نرفض أحدً ًفي لبنان، لكن شرط أن يعترف هو أوّلاً بلبنانيّته، ولا أن يفاخر بانتمائه لإيران، وينسف لبنانيّته فلسفيّاً وحضاريّاً وحتّى دينيّاً. وجبل عامل وتعاليم الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر شاهدة على ما نقوله. فاتّحاد جبل عامل مع جبل لبنان هو الذي كوّن لبنان الكبير مع مدن الساحل والعاصمة بيروت. وهذه حقيقة تاريخيّة لا يمكن القفز فوقها. هذا هو لبنان الذي نريده؛ ولا يقولنَّ أحد لا نريد لبنان أن يكون مختبراً لعيش الحضارات في رسالة سلام ومحبّة.

 

هذا هو لبناننا. لبنان الرسالة. ولا تتحقّق هذه الرسالة إلا بإعلان حياد لبنان والدّخول في ثقافة المواجهة للمقاومة وليس المواجهة بالمقاومة. هذه هي الفلسفة الجديدة التي يجب أن يعيد «حزب الله» حساباته على أساسها. وسيكون معه اللبنانيّون كلّهم، لأنّه عندها يكون قد عاد إلى لبنانيّته ليواجه مشاريع مثل مشروع قناة بن غوريون الذي ستدشّنه إسرائيل بعد أقلّ من خمس سنوات. ومشروع مثل تحوّل ميناء حيفا إلى بوّابة للعرب على أوروبا والعالم بعد التطبيع.

 

دخلنا في زمن المواجهة بأسس جديدة، وإذا لم يدخل لبنان الدّولة المحايدة في هذه المواجهة فهو حتماً سيُشطَبُ من الخريطة الدّوليّة معنويّاً، لتأخذ إسرائيل دوره في كونها الجسر الجديد بين الشرق والغرب، ناهيك عن كونها مهداً للحضارات السماويّة الثلاث. فضلاً عن الدور الذي تسعى الامارات العربيّة المتّحدة للعبه بموضوع حوار الحضارات، لا سيما بعد رعايتها للقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الخطيب حيث تمّ توقيع وثيقة الأخوّة والانسانيّة منذ ثلاث سنوات، في الرابع من شباط 2019. ألم يحن الأوان لقراءة جديدة اليوم في فلسفة المقاومة بالمواجهة لا المواجهة بالمقاومة؟