لقد كشفت عمليّة «طوفان الأقصى» أمرين مهمّين: هدف اسرائيل الاستراتيجي إزاء قطاع غزّة من جانب، وتكتيكها بأساليبه المتعدّدة للوصول إلى تحقيق هذا الهدف من جهة ثانية. فما هو هذا الهدف؟ وما هي هذه الأساليب لتحقيقه؟
أولاً: هدف إسرائيل الاستراتيجي
لا ينفصل هدف اسرائيل الاستراتيجي في قطاع غزّة عن هدفها الشامل ازاء كل فلسطين التاريخيّة. ذلك أنّ قطاع غزّة، كما يدل عليه اسمه، هو قطعة من فلسطين واقعة على ساحل البحر المتوسط. وكما حلم قادة اسرائيل التاريخيين من بن غوريون إلى موشه دايان… في جعل كل فلسطين مهداً للدولة العبريّة فإنّ الظروف التاريخيّة والجغرافيّة لم تسمح لهم، قادة وزعماء وأحزاباً ومقاتلين… في تحقيق هذه السيطرة الكاملة على كافة «أرض اسرائيل» كما يسمّيها كتاب التوراة. لذا اكتفى اليهود بإقامة الدولة العبرية على جزء كبير من فلسطين وبقيت أجزاء من أرض فلسطين خارج سيطرة الدولة العبرية مثل قطاع غزّة والضفة الغربية. لذا بقيت استراتيجيّة الفكر الصهيوني منصبةً على هدف استراتيجي واحد وهو: السيطرة الفعليّة على كامل أرض فلسطين بما فيها قطاع غزّة.
وهذا التوجّه الصهيوني يعود في خلفياته إلى أسباب دينيّة لاهوتيّة متصلة بالتوراة، وإلى أسباب جيو- سياسية على علاقة بأهميّة فلسطين الجيو- سياسية ودورها المركزي في المشرق العربي.
ثانياً: تكتيكات اسرائيل للسيطرة
فتحت عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حركة حماس الفلسطينيّة في السابع من تشرين الأوّل 2023، الباب أمام اسرائيل كي تستغل الظرف فتضع يدها على قطاع غزّة كلياً أو جزئياً. ولذا عمدت إلى استخدام جملة أساليب أو تكتيكات عسكرية ولا تزال تقوم بذلك حتى تاريخه، ونشير إلى البعض منها:
1 – إعتماد أسلوب الاحتلال العسكري الكلّي أو الجزئي للقطاع إذ إنه الوسيلة الوحيدة والفضلى لتجريد حماس من قدرتها العسكرية ووضع اليد على القطاع ككيان سياسيّ.
2 – إن أوّل ما يفترض ذلك إجلاء السكّان عن القطاع ودفعهم جنوباً باتجاه صحراء سيناء المصرية اذ تصبح الأرض عارية من دون سكان ومواطنين يدافعون عنها. وحتى تاريخه تعتمد اسرائيل تكتيك إفراغ شمال غزّة من السكان ودفعهم نحو الجنوب بعشرات الآلاف.
3 – لتحقيق ذلك تقوم اسرائيل بضرب المنشآت الحيوية في القطاع كالمستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة والمنشآت والأماكن المدنيّة ملحقة الدمار والموت في البنايات والأحياء السكنيّة ومحاصرة القرى والمدن وزرع الرعب فيها.
4 – من الملفت في هجوم اسرائيل تعمّدها اغتيال أكبر عدد من الأطفال والنساء بحيث يفوق عددهم عدد الرجال وما هذا إلا لإثارة الخوف والرعب في قلوب السكّان العرب في القطاع لتسهيل عملية إجبارهم على الإجلاء جنوباً.
5 – ويدخل في هذا الهدف قيام اسرائيل بقطع الكهرباء والمياه والنفط عن سكان القطاع بما يعرّض المستشفيات لحالات مأسوية تصيب المرضى الذين لم يعد هناك امكانية طبيّة لمساعدتهم وللإعتناء بهم. في حين تجاوز عدد القتلى من الفلسطينيين الأحد عشر ألفاً.
6 – عمل كل ما هو ممكن ومتاح لمواجهة حرب الانفاق التي اقامتها حماس تحت الأرض في القطاع. وفي هذا ربط الاسرائيليون بين الانفاق تحت الأرض وواجهتها فوق الأرض عبر ما سمّوه «المستشفيات». ومن هنا حملتهم لضرب المستشفيات ومحاصرتها ومنع وصول المواد الطبية والكهرباء والغاز بحيث توقّف العديد منها عن العمل؟
7 – بدا واضحاً أنّ اسرائيل تعمل حالياً بكافة قواها العسكرية والسياسية لطرد أكبر عدد من السكّان، من غزّة الشرقية باتجاه الجنوب، وذلك تمهيداً، على ما يبدو، لإقامة كيان دولاتي في غزّة عبر تفاهم دولي يؤدي، في ما يؤدي اليه، إلى جعل قطاع غزّة أشبه بوضع الضفة الغربية لفلسطين، بحيث يكون لاسرائيل سيطرة كليّة او جزئية عليه: مباشرة أو غير مباشرة مع فتح المجال واسعاً أمام الاستيطان!
8 – من المؤكد أنّ مسار أحداث القطاع ترتبط بمصير الأسرى لدى حماس وشروط تحريرهم وهو ما تنصب عليه محادثات الولايات المتحدة وقطر وحماس للوصول إلى تفاهم حول شروط ومستلزمات تحرير الرهائن لدى الجانبين.
9 – لقد كانت القمة العربيّة الاسلاميّة واضحة وحازمة بالنسبة للوضعيّة الدولاتيّة الجديدة للقطاع. فلقد رفضت بشكل قاطع محاولات اسرائيل، وسواها من الدول لفصل قطاع غزّة عن فلسطين. وأنّ محاولة كهذه ستفشل حتماً. فقطاع غزّة بالنسبة للعرب والمسلمين كان وسيبقى جزءاً من فلسطين التاريخيّة مهما سعت اسرائيل لكي تفصل بين الاثنين.
ثالثاً: ملاحظتان أساسيتّان
الأولى: إنّ ما نشهده من وسائل العنف وحرب الابادة المتبادلة بين حماس واسرائيل يعود إلى حقد تاريخي يوّلد الذعر خاصة لدى اليهود من أنهم معرضون للقتل والإبادة على يد الأصوليين المسلمين. ولعلّ في ما حدث في اليوم الأول للحرب اشارة إلى ذلك وفي ما تبعها اشارات مقابلة لها.
هذا لا يبرر الجريمة بل يتناول أسبابها، ذلك أنّ من هو أقل عدداً يكون أكثر شراسة وعدوانية بسبب الهلع الذي يعيش فيه، وهذا هو وضع يهود إسرائيل.
الثانية: إنّ تمدّد اسرائيل لبضعة كيلومترات جديدة على الشاطئ الشرقي للمتوسط بقيام دويلة شمال غزّة سيمنحها حقوقاً اضافية في مياه المتوسط وذلك طبقاً للقانون الدولي للبحار التابع للأمم المتحدة (1982).