Site icon IMLebanon

بعد الضربة الإسرائيلية .. إيران أمام خيارين كلاهما مُرّ

 

 

 

لقد نجحت إسرائيل وحليفتها أميركا في توجيه ضربة موجعة لإيران من دون إتاحة الفرصة لها بالرد، وحافظت أميركا على شعرة معاوية مع إيران بحجة انها نجحت في ثني إسرائيل عن استهداف المشروع النووي الإيراني، كما منشآتها النفطية، الأمر الذي سيضطر إيران مكرهة على امتصاص الضربة والتستّر على الأضرار التي ألحقتها بها. وذلك للتخفيف من المزيد من الحرج أمام جمهورها وحلفائها في محور الممانعة الذين لطالما بالغوا في الاعتماد على ما كانت تعلنه إيران عن قدراتها العسكرية الرادعة، موهمة إياهم أنها قادرة فعلا على وضع حد للعنجهية الإسرائيلبة، بما لديها من أسلحة استراتيجية وخاصة الصواريخ البعيدة المدى البالستية والخرق صوتية والمسيّرات.

أثبت الواقع ان العدو الإسرائيلي متابعا لتفاصيل مختلف الصناعات العسكرية الإيرانية، وبالتالي عالما بمواضع الضعف لدى إيران سواء كان على مستوى التسليح، كما الخبرات التكنولوجية والعسكرية التقليدية وغير التقليدية، وثمة خشية لدى المراقبين والمتابعين من ان تكون إيران على غرار ربيبها حزب لله مخروقة أمنيا ومخابراتيا، خاصة وانه كثر الحديث مؤخرا عن ان الخروقات التي أصابت الحزب تعزى لأخطاء إيرانية، وربما لانكشاف فيلق القدس وقادته أمام المخابرات الإسرائيلية والغربية، بدءا بعملية البايجرز وانتهاء باستهدافات كبار قياديي حزب لله الميدانيين والسياسيين.

 

يصرُّ قادة إسرائيل على ان العملية التي شنّوها على إيران صباح يوم السبت بتاريخ ٢٦/١٠/٢٠٢٤ باستخدام مائة طائرة حربية كانت ناجحة وحققت أهدافها، وانه تم استهداف عشرين هدفا عسكريا؟ أما إيران وان كانت قد أقرّت بأن الغارات الإسرائيلية قد استهدفت مواقع عسكرية، إلّا انها تزعم ان المقولة الإسرائيلية مبالغ بها، سواء كان لجهة عدد الطائرات التي شاركت بالعملية أو بالأهداف التي طالها الاعتداء بحد ذاتها، مقرّة باستهداف بعض أنظمة الرادار والتسبب بسقوط أربعة ضحايا.

قد تسعى إسرائيل لتضخيم قدراتها العسكرية التي استخدمتها في التنفيذ، كما بحجم الأضرار وان كان اللافت انها لم تعرض صورا للاستهدافات ولا للنتائج التي حققتها لغاية الآن، وكذلك فعلت إيران لجهة امتناعها عن عرض صور لمواقع الاستهدافات، ولا بالخسائر التي تسببت بها، علما ان منطق الأمور يقول بأنه لا يمكن لهكذا غارات أن تقتصر أضرارها البشرية على مقتل عدد ضئيل من العسكريين الإيرانيين هذا على افتراض أن كل الاستهدافات كانت عسكرية؛ وما يدل على حالة الضعف الإيراني عجز كل الدفاعات الجوية الإيرانية بما فيها منظومو اس ٤٠٠ عن إسقاط لو طائرة واحدة من الطائرات المائة المغيرة.

 

ومن دون التعقيب على سردية كل من الطرفين، نرى أنه لا بد من التطرق لما يمكن أن يكون قد تم استهدافه بهذه الغارات الإسرائيلية وفق المنطق العسكري البحت، وبهذا الخصوص وفي الوقت الذي كان يسلّط الضوء على احتمال استهداف المشروع النووي الإيراني كنت أقول ومن منظاري الشخصي، ان المنطق يقول بأن الاستهدافات ستنصب أولا على الدفاعات الجوية (نظم رادارات، وصواريخ أرض جو كصواريخ اس ٣٠٠ واس ٤٠٠ والإيرانية الصنع ان وجدت وربما المضادات الأرضية التقليدية وغيرها)، ويعزى ذلك لعدم قدرة الطائرات الإيرانية المتخلّفة نسبيا على التصدي للطائرات التي يملكها الكيان الإسرائيلي والتي يحرص على استحداثها وتجديدها، وتعزيز أسطوله الجوي بأحدث الطائرات الأميركية الصنع، والتي تستثنى إسرائيل من حظر بيعها أو التعزيز من جهازيتها التقنية، ومن ثم يصار الى ضرب سلاح الجو الإيراني وقد يشمل ذلك المطارات والطائرات الجاثمة عليها، وبعد ذلك يصار الى استهداف الصواريخ البعيد المدى التي يصل مداها الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد ذلك المسيّرات القادرة على الوصول الى الداخل الإسرائيلي. وبعد ذلك يمكن أن يصار الى ضرب مخازن تلك الأسلحة، ومراكز التصنيع الخاصة بها. وبالواقع هذا ما أوحى به الكيان الإسرائيلي، عندما أعلن عن حصر الاستهدافات بمواقع عسكرية من ضمنها الرادارات ومراكز إطلاق الصواريخ ومراكز تصنيعها كما تصنيع المسيّرات.

 

وبغض النظر عن النتائج العسكرية التي حققتها هذه الضربة داخل الأراضي الإيرانية وان كانت السلطات الإيرانية زعمت ان الاستهدافات حصلت من مسافات تزيد عن مائة كلم من الحدود الإيرانية وبالتحديد عبر الحدود العراقية – الإيرانية. الواضح في الأمر ان هذه العملية والتي سوّق لها وكانها ردّا على الرد الإيراني، إلّا انها تنطوي على اعتداء سافر على كل من سوريا والعراق وإيران نظرا لكون الطائرات التي استخدمت في العملية سلكت مسارا في الأجواء السورية والعراقية ومن ثم الإيرانية، وما هي إلّا عملية استفزازية كونها جاءت ردّا على الرد الإيراني، وبالتالي هي كناية عن اعتداء استفزازي جديد يضاف الى الاستفزازات السابقة، وبالتالي اعتداء من حق إيران لا بل من واجبها الرد عليه من قبيل الدفاع عن النفس كردّ على اعتداء غير مبرر وغير مثار.

إيران بعد تلقّي هذه الضربة أمست محرجة أكثر أمام جمهور الممانعين كما أمام شعبها، وربما أمام جميع المتابعين لما يحصل على امتداد منطقة الشرق الأوسط، فهي ان ردّت توفر الفرصة لإسرائيل على اعتداءات إضافية قد تتسبب بأضرار جسيمة، وربما قد تجرّها لحرب شاملة، وهذا ما تحرص إيران على تجنّبه بكل ما أوتيت من قوة وقدرات دبلوماسية، من خلال سعيها الى إطالة أمد الحرب على الجبهة الأساسية أي (قطاع غزة)، أو عبر الجبهات المساندة لها.

 

يبدو ان كل من إسرائيل وأميركا وجهوا رسائل تحذيرية لإيران مفادها انه في حال ردّت على الرد الإسرائيلي ستتعرض حتما لضربات مؤلمة وربما ستجرّ لحرب مفتوحة، وهذه التحذيرات بمثابة العصا الثخينة. وبموازاة ذلك باعت أميركا لإيران ما زعمته لجهة أنها حالت دون إقدام إسرائيل على استهداف أي من المنشآت النووية أو المرافق النفطية، ما يحفظ لها ماء الوجه للقيام بدور الوسيط مستقبلا. بدورها إيران ترى ان لا مصلحة لها للانجرار إلى خوض حرب مفتوحة مع إسرائيل ولا في جرّها لأية مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، لانها ستكون لصالح الأخيرة، كونها قادرة في أي وقت على تشكيل حلف غربي على غرار الحلف الذي تشكّل في مواجه نظام صدام حسين وقضى عليه، لذا عمدت إيران للمضي قدما بتبنّي خطاب دبلوماسي ينبذ الحرب ويدعو الى تجنيب منطقة الشرق الأوسط المزيد من سفك الدماء، وقد شكّل هذا التوجه انعطافة ١٨٠درجو مئوية، إلّا انها انعطافة جاءت متأخّرة، عوضا عن انها لا تتمتع بأية مصداقية، وهذه الانعطافة الحادة والتي تتعارض مع الشعارات والتهديدات العنترية السابقة، أوحت أن إيران عاجزة عن خوض حرب مباشرة مع الكيان الإسرائيلي ومع حليفته أميركا، هذه الارتكاسة الانهزامية شجّعت وتشجّع الكيان الإسرائيلي على المضي قدما باعتداءاته وعنجهيته والتطاول أكثر فأكثر على المنظمات الدائرة في الفلك الإيراني كما على إيران نفسها.

والسؤال الذي يطرح ذاته يتمثل في التالي: ما هي الخيارات الإيرانية، إن كانت إيران تسعى جاهدة لتدارك الانخراط في الحرب؟ الجواب شبه معروف ويقضي بالإبقاء على جبهات المساندة حامية، وربما قد توعز لوكلائها الى زيادة وتيرة العمليات وربما رفع مستوى نوعيتها، من خلال استهداف أهداف نوعية داخل العمق الإسرائيلي. وهذا الخيار يتسبب بإحراج لباقي مكونات محور الممانعة، إذ من الصعب إقناع بيئاتهم الحاضنة وشركائهم في الوطن بإبقاء جبهات دولهم مستعرّة في الوقت الذي تحرص إيران على تجنّب انخراطها في الحرب، أو توسيع رقعتها حتى تشمل الجغرافيا الإيرانية.

وباعتقادنا ان الوضع سيبقى على حاله مع زيادة وتيرة القتال على الجبهتين اللبنانية وقطاع غزو لحين إنجاز الاستحقاق الرئاسي الأميركي، وتشكّل الإدارة التي ستحكم الى جانب الرئيس المنتخب، وهذا ما يكشف صراحة توجهات كلي الطرفين الحزبيين المتنافسين، والتي يبدو ان فوز ترامب بالانتخابات سيخدم المخطط الإسرائيلي الشامل والذي أعدّه رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريق عمله.

قد تضغط الإدارة الأميركية ان فازت كاميلا هاريس بالانتخابات لعقد مؤتمر صلح دائم يقوم على حل الدولتين، وفق المبادرة العربية المبنية على مقررات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وقد تلقى إسرائيل في حال فوز ترامب المزيد من الدعم السياسي واللوجستي والعسكري، وتشجيعا على المضي قدما بخيارها العسكري الهادف الى تغيير وجه الشرق الأوسط، وبالتالي القضاء على قدرات محور الممانعة العسكرية بكل مكوناته، ونزع الأسلحة من التنظيمات العسكرية ودعم الدول المعنية كلبنان واليمن وسوريا والعراق على أحكام سيطرتها على أراضيها بواسطة أجهزتها العسكرية والأمنية حصرا وإنهاء دور الميليشيات المدعومة من إيران.

وعلى المستوى المحلي لا نستغرب إن سمعنا فور وقف العمليات العسكرية من يدّعي النصر، ويدعو جميع اللبنانيين للحاق به وتبنّي وجهة نظرة واستغلال كل ذلك للمضي قدما بالتحكّم بالدولة، وممارسة المزيد من لغة الاستقواء والتعالي والتعجرف والمزيد من السلوكيات التنفيرية.

من هنا نخلص للقول: كان لله في عون لبنان واللبنانيين كما الشعب الفلسطيني من الإصرار على المضي قدما بتوجهات المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، والذي تتجاوز فتاويه وتطلّعاته حدود الجمهورية الإسلامية الى التدخّل بأقاليم الدول الأخرى، بعد أن تسببت في خلخلة النظم القائمة، وخير مثال على ذلك ما حصل ويحصل في معظم الدول العربية التي أصيبت بزكام الربيع العربي المقرون بحمى الثورة الإيرانية.