في حديثه المطول إلى «الفورين أفيرز» (30 يناير/ كانون الثاني، الماضي)، قال الرئيس السوري بشار الأسد عندما سئل عن عملية القنيطرة وعن أن «حزب الله» كان يعد لهجوم على إسرائيل من الأراضي السورية، إنه منذ التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1974 لم تحدث أي عملية إطلاقا من الجولان ضد إسرائيل، وكل ما تقوله اليوم هو بعيد عن الحقيقة ومجرد عذر، لأنها كانت تريد أن تغتال أحدا من «حزب الله» (لم يأت الأسد على ذكر الجنرال الإيراني).
لكن إذا عدنا قليلا إلى الوراء نرى أنه خلال لقائه مع وزير خارجية إيران آنذاك علي أكبر صالحي، في 7 مايو (أيار) 2013، حذر الأسد من أن الجولان سيتحول إلى جبهة مقاومة. وفي 19 من ذلك الشهر كتب الإيراني حميد حلمي زاده، في صحيفة «الوطن» السورية، مقالا تحت عنوان «من الدفاع إلى تحرير الجولان»، جاء فيه: «إن ميليشيات المقاومة النشطة في الجولان ستتسلم دعما من الجيش السوري بما فيه صواريخ دقيقة الإصابة». وقال مسعود جزايري، نائب رئيس الأركان الإيراني، في 18 من ذلك الشهر عبر تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله»: «في الأشهر القليلة المقبلة سنشهد تغيرات جذرية في المنطقة، وبعضها سيكون في الجولان».
ومنذ ذلك الوقت بدأت تقع عمليات صغيرة كجس نبض، حتى جاءت عملية القنيطرة، وكان الإيرانيون يتكلمون بأن المقاومة جبهة واحدة ممتدة من رأس الناقورة حتى الجولان. والجديد في الأمر، أخيرا، أن إيران اعتادت على التخطيط لعمليات تنفذها عبر جماعات أو أطراف موالية لها، لكنها في القنيطرة كانت موجودة بشكل مباشر عبر الجنرال محمد علي الله دادي وخمسة آخرين.
في ندوة مصغرة جرت في لندن شارك فيها عسكريون بريطانيون وأميركيون ومن الشرق الأوسط، أشاروا إلى أن عملية القنيطرة «أيقظت إسرائيل» من سبات، وأنه صارت هناك بالفعل جبهة ممتدة من رأس الناقورة حتى الجولان.
في تحليلهم للتطورات الأخيرة حذر المشاركون في الندوة من أنه مع مجيء إيران إلى الجولان فإن مجال المواجهات التقليدية صار صفرا، بمعنى أن الوضع وخلال ثوان قد يتطور من اشتباك محلي إلى حرب شاملة.
بعد القنيطرة قالت إيران سوف نرد، وبعدما جاء الرد من مزارع شبعا اللبنانية قال السيد نصر الله: «لا أسعى إلى الحرب». لكن حسب المشاركين فإن حربا شاملة ستقع قريبا حتى لو يأت أي رد آخر، وأن إسرائيل لن تسكت على وجود إيران على حدودها.
ما الذي سيحصل الآن؟ رأى المحاورون أن «حزب الله» وإيران في عملية شبعا استعملا صواريخ «كورنيت» التي يصل مداها حتى 5.5 كم. هذه المرة استهدفا سيارات عسكرية، لكن يمكن لهما أن يعطلا حركة المواصلات المدنية كلها في الجليل. ومن هنا، كما قالوا، لا بد من عودة إلى تكرار نصر الله في خطب سابقة الإشارة إلى منطقة الجليل.
رأوا أن استعمال «الكورنيت» بحد ذاته خرق للوضع القائم. قال أحد المشاركين من الشرق الأوسط: «وقع خرقان: الأول أن الإيرانيين صاروا في الجولان.. والثاني: استعمال صواريخ (كورنيت) الروسية الصنع».
لاحظ المناقشون أنه رغم قول نصر الله في خطاب يوم الجمعة الماضي إنه لن يلتزم بعد الآن بقواعد الاشتباك، فإنهم توقفوا عند عبارته «الاستطرادية»: «لا نريد الحرب». السبب حسب ما قالوه أن هناك ردعا إسرائيليا لـ«حزب الله» هو التالي: لدى «حزب الله» نحو 120 ألف صاروخ، وليست لدى إسرائيل قدرة لتدمير هذه الصواريخ، لكن الردع الذي لديها ولم تستعمله في حرب 2006 – لأن الأميركيين منعوها – أنه بعد تلك الحرب أبلغت واشنطن، وعبر أطراف معنية، الحزب وأمينه العام بأنه في حال إطلاق الحزب صواريخه بالآلاف ضدها، فإن إسرائيل ستعمد إلى ضرب كل البنى التحتية في لبنان: شبكات الكهرباء والمياه والتصريف والاتصالات.
رأت الندوة أن نصر الله لا يريد أن يصل إلى هذه النقطة.. «لا يريد أن يذكره التاريخ بأنه من أجل إيران كان السبب في تدمير لبنان». وأضاف المناقشون: «هناك فرق بين مصلحة الحزب ومصلحة إيران التي لا يهمها مصير لبنان، لكن نصر الله يختلف.. ومن هنا قوله: لا نريد حربا».
قال أحدهم من الشرق الأوسط: «لا ردع إسرائيليا ضد إيران، أو بالأحرى لديها الردع والكل يعرف أنها تملك السلاح النووي، ومن دون هذا السلاح لديها ردع، لكن لا يبدو أن إيران مهتمة». وعاد إلى ما قاله هاشمي رفسنجاني قبل سنوات: «قنبلة نووية واحدة من إسرائيل لن تنهي إيران، لكن قنبلة نووية واحدة من إيران تنهي إسرائيل».
الآن، مجيء الإيرانيين إلى الجولان زاد الوضع تعقيدا، وخطر الحرب الشاملة وارد بالتأكيد إذا لم ينسحبوا.
بالنسبة إلى إيران العمليات لم تنته، لكن حسب المجتمعين فحتى لو لم تستمر العمليات فإن إسرائيل لن تقبل بوجود إيرانيين في الجولان، وتقول هذا خرق للوضع القائم. توقفوا عند قول نصر الله إن الحزب بعمليته في شبعا فعل تماما كما فعلت إسرائيل حتى بالتوقيت، لكنه تناسى أنه استعمل صواريخ «الكورنيت»، وبالتالي خرق الوضع القائم رغم أنه لا يخوض حربا شاملة. وأضاف المحاور الشرق أوسطي أن إسرائيل رفضت قول نصر الله إنه لن يعترف «بعد الآن» بقواعد الاشتباك، لأنه خرقها بالفعل بـ«الكورنيت»، ثم إن عملية شبعا لم تكن ضمن قواعد الاشتباك، لذلك يؤكد أن إسرائيل تستعد لحرب شاملة لسببين: «وجود جبهة واحد ممتدة من رأس الناقورة حتى القنيطرة، واستعمال الحزب لصواريخ (كورنيت) لأول مرة خارج حرب 2006». ثم أشار المحاور الشرق أوسطي إلى أن قواعد الاشتباك موجودة في القرار 1701، وهذا يعني رسميا أنه خرق القرار رغم قول رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن القرار لا يزال قائما. الخرق الثاني للقرار هو وجود مقاتلي «حزب الله» جنوب الليطاني.
ربما الاتصالات اللبنانية بإيران دفعت صحيفة «كيهان» يوم الثلاثاء الماضي إلى الكتابة عن «حكمة (حزب الله) الذي لم يشد لبنان إلى الحرب»، لكن من قال هذا لـ«كيهان»؟ تضيف «كيهان» أن «الحزب برهن لأوساط لبنانية أنه يعرف كيف يعاقب إسرائيل من دون حالة حرب».
لكن باختصار، ورط الحزب لبنان، واختراقه أعطى إسرائيل كل المبررات، فهي قامت بعملية القنيطرة في الجولان، لماذا كان الرد من شبعا؟
من ناحية ثانية، تحدث المشاركون في الندوة عن النظام السوري، وأن إسرائيل كانت حتى اليوم تفضل بقاء الرئيس بشار الأسد رغم ضعفه لأنه «كان يشكل منطقة عازلة بين إسرائيل وإيران، لكن هذا الدور انتهى وتحول نظامه إلى منصة للإيرانيين، وبالتالي لم يعد لإسرائيل من مصلحة في بقائه». وقال الشرق أوسطي: «يمكن لإسرائيل أن تسهم في إسقاطه، تستطيع إقامة منطقة يحظر الطيران فوقها، والأسد من دون سلاحه الجوي يسقط». يضيف: «رفض الأميركيون هذه الفكرة خدمة لإيران».
ثم عادوا لشرح أبعاد عدم احترام قواعد الاشتباك، ورأوا في قول نصر الله هذا تلبية لطلب إيران، ومن جهة أخرى الموافقة على تهديد إسرائيل بضرب المنشآت الحيوية في لبنان. ولفت أحدهم إلى أن «لبنان في هذه الحالة صار شبه مستعمرة إيرانية، وقد يدفع الثمن الأعلى والأخير في حالة الحرب الشاملة التي ستشمل الجولان وسوريا وتؤدي أيضا إلى حرب مع إيران». وظل التساؤل: لماذا لم يرد «حزب الله» بعملية من الجولان على عملية القنيطرة، وهل كان ذلك تلبية لطلب إيران؟ قال المتحاورون: «انتهى زمن عملية مقابل عملية. إسرائيل استفاقت على كابوس. هي لن تقبل بحرب استنزاف في الشمال. لبنان سيعود إلى الوراء. انتهى أمر الأسد كعازل بينها وبين إيران، تحول إلى منصة. لن تقبل بوجود ضباط من (الحرس الثوري) على حدودها، إذ ماذا كان يعمل الجنرال محمد علي الله دادي في الجولان؟ لن تقبل بأن يستعمل (حزب الله) الصواريخ التي يكدسها، لن تقبل بجبهة واحدة ممتدة من الناقورة حتى القنيطرة. تغيرت اللعبة وتغير الوضع كله».
لم ينسَ المحاورون في النهاية الرئيس الأميركي باراك أوباما وسياسته، إذ بسبب عدم تدخله ضد الأسد في الوقت المناسب أصبح المجال الممتد من العراق حتى المتوسط يشبه أفغانستان، يلعب فيه الإيرانيون والمتشددون. وقال المحاور البريطاني: «سياسة أوباما هي السبب في امتداد هذه المساحة التي ينعدم فيها القانون. حوّل سوريا إلى أفغانستان، وجاء بإيران إلى حدود إسرائيل».