اعتماد النسبية بالكامل في ظل وجود سلاح «حزب الله» محاولة مكشوفة لتحجيم الخصوم وإلغائهم
مسألة سلاح الحزب شرط أساسي للعبور إلى مشروع الدولة وليس اعتماد قانون النسبية وحده
«تشبّث حزب الله باعتماد النسبية الكاملة في القانون الانتخابي المرتقب يؤشر لنوايا مبيتة ضد خصومه السياسيين..»
لا يلاقي شعار «حزب الله» القائل بأن اعتماد قانون النسبية في الانتخابات النيابية المقبلة يُشكّل الممر الإلزامي للعبور إلى مشروع الدولة تجاوباً من معظم الأطراف السياسيين وفي مقدمتهم خصومه وحتى بعض حلفائه، كون الظروف والأوضاع التي يعيشها لبنان حالياً، ليست مهيأة بعد لتقبل هذه الصيغة وتفهم جوهرها وآليتها المعقدة من جهة ولاستمرار وجود مناطق النفوذ والسيطرة الأمنية للحزب والتي تعيق تنفيذها بالتساوي مع بقية المناطق الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في نتائج التصويت ويحقق غلبة أطراف موالية للحزب على خصومها السياسيين.
ولذلك، فإن إصرار الحزب على التمسك باعتماد النسبية الكاملة في أي قانون اننتخابي جديد، بالرغم من اعتراض أطراف سياسية واسعة التمثيل الشعبي والسياسي يعني في النهاية تعطيل كل المحاولات المبذولة للتوصل الى قانون توافقي جديد يأخذ بعين الاعتبار مطالب كل الأطراف ضمنه والاستمرار في الدوران بالحلقة المفرغة والابقاء على قانون الستين الساري المفعول حتى اليوم، بعدما ظهرت العديد من مواقف الأطراف السياسية المؤثرة الرافضة لاعتماد النسبية بالكامل في أي قانون انتخابات جديد وتوجهها لقبول القانون الذي يجمع بين الأكثري والنسبي كحل وسط بين الصيغتين المطروحتين.
ولا شك ان تشبث «حزب الله» باعتماد النسبية الكاملة في القانون الانتخابي المرتقب يؤشر إلى نوايا مبيتة ضد خصومه السياسيين، باعتبار تطبيق مثل هذه الصيغة سيؤدي إلى ضمان فوز أكثرية المرشحين المؤيدين والمتحالفين معه في المناطق الخاضعة لنفوذه، وهذا يعني وجود محاولة مكشوفة لتحقيق الغلبة السياسية عليهم والسيطرة على المجلس النيابي المقبل، وبالتالي الانقضاض عليهم سياسياً بغطاء قانون النسبية من جهة وبترهيب السلاح من جهة ثانية.
وانطلاقاً من هذه النوايا المبيتة والمكشوفة لحزب الله، لا يبدو ان صيغة النسبية الكاملة في أي مشروع قانون انتخابي جديد سالكة، بالرغم من ادعاءات بعض الأطراف ومطالبتهم علناً بضرورة اعتمادها، في حين تبدو هذه الأطراف هي الأقرب للقبول ضمناً باجراء الانتخابات على أساس قانون الستين النافذ حالياً، باعتبارها تضمن استمرار تمثيلها الحالي على الأقل في المجلس النيابي الجديد، بينما تتوجس من خوض مغامرة قانون النسبية من دون وجود ضمانات اكيدة باحتفاظها بنسبة معقولة في تركيبة المجلس المقبل.
ويرفض خصوم الحزب برمتهم ما يطرحه بخصوص مطالبته باعتماد النسبية باعتبارها تحقق صحة التمثيل لكل الشرائح والتيارات وتشكل الممر الإلزامي للعبور إلى مشروع الدولة، كون مثل هذا الشعار لا يتطابق مع ممارسات وارتكابات الحزب واستمرار حيازته للسلاح غير الشرعي بمعزل عن أي رقابة أو انضباط تحت سلطة الدولة اللبنانية، لأن استمرار وجود هذا السلاح على هذا النحو، يُبقي التفاوت قائماً بين منطقة وأخرى ويعطي ارجحية الفوز لمرشحين محسوبين أو يدورون في فلك الحزب على خصومهم السياسيين ويحقق غلبتهم وفوزهم كما حصل في الانتخابات الماضية علناً.
ولذلك، فأي قانون انتخابي يعتمد في ظل الظروف السائدة حالياً وحتى قانون النسبية الذي تطالب به بعض الأطراف، لن يحقق عدالة التمثيل بين كل اللبنانيين، مهما ابتدع البعض من حجج واستند إلى ذرائع، بل سيؤدي إلى ظهور ثغرات كبيرة واحتجاجات واحباطات لدى كل من تأذى من وجود الاستقواء بالسلاح من جهة أو من أتى القانون الجديد على نفوذه وسلطته وحتى على تمثيله في المجلس النيابي المرتقب.
ومن وجهة نظر سياسي بارز فإن تحقيق صحة التمثيل لكل شرائح المجتمع وفي كل المناطق يتطلب قبل كل شيء إيجاد حل وطني لمسألة وجود السلاح غير الشرعي في يد «حزب الله» والميليشيات التابعة له في كل المناطق اللبنانية، وعندها يمكن الانطلاق للبحث في أي قانون يتم التفاهم عليه بين اللبنانيين، وهذا الأمر لن يكون مستحيلاً مع شعور الجميع بالتساوي في المواطنية وعدم الشعور بالتهديد والخوف من ترهيب سلاح الحزب وتسلطه على النّاس بالقوة. ومن دون حل هذه المشكلة المعقدة والصعبة حالياً، ولذلك، فإن ما يطرحه الحزب بأن اعتماد قانون النسبية يُشكّل الممر الإلزامي للعبور إلى مشروع الدولة، إنما هو شعار معاكس تماماً للواقع، لأن الممر الإلزامي للعبور إلى مشروع الدولة يتطلب قبل كل شيء إيجاد حل لمسألة تفلت سلاح «حزب الله» ووضعه تحت سلطة الدولة اللبنانية فقط، وعندها يمكن تحقيق المساواة بين كل اللبنانيين وإنهاء وجود الجزر الأمنية ومناطق النفوذ والهيمنة والاستقواء بالسلاح الميليشيوي، وساعتئذٍ، بالإمكان التفاهم على قانون انتخابات يرضي الجميع، إن كان باعتماد النسبية كاملة أو بغيرها من الصيغ المطروحة.