«سوريا ليست ملكي . . . أحكُمُ لبعض الوقت وأمضي…»
(حافظ الأسد: جريدة الأهرام المصرية 1995/10/11)
الحاكم يمضي، والشعوب تبقى والدول تبقى ، وحين لا يمضي الحكام تتفكَّك الدول ويُسفك الدم.
هل حاول أحد المؤرخين، أو أحد مراكز التوثيق أن يستجمع ثمن الربيع العربي منذ أن أحرقَ نفسَهُ البائعُ المتجول طارق بن عزيزة في تونس في كانون الأول 2010 . . .؟
وهل يستطيع أحد أن يحصي كلفة الأسلحة والذخائر التي أَتْخَمتِ الساحات العربية بالحِمَم، وجعلت الناس كالجُثَـثِ التي تمشي في رحاب «خير أمَّـةٍ أُُخرجتْ للناس . .؟»
وهل يتجـرَّأ أحد على أن يعلن عدد الذين قُتلوا وعدد الذين ذُبحوا، وعدد الجرحى والمعوّقين والمهجرين واللاّجئين والمغتصبات والمغتصبين، وعدد المدن المهَّدمة، والآثار الملغَّمة، والبيوت المدمّرة، والمؤسسات المحترقة . . ومواكب عربات الموتى التي اجتاحت العرب على يد العرب . .؟
في تونس وليبيا والعراق وسوريا واليمن وغيرها، سقط الملايين من القتلى والجرحى ، وفي سوريا أعلن المركز السوري لبحوث السياسات، أن 12 في المئة من عدد السكان السوريين سقطوا بين قتيل وجريح ، وأربعة ملايين نزحوا الى خارج البلاد، وستة ملايين تهجروا داخل بلادهم، وعشرات الألوف يموتون من جوع ومن سوء غذاء، ولا تزال الحروب فاغرةً فاها والجهنميات على تأجُّجٍ والتهاب.
كل هذا ، من أجل ماذا . .؟
أَمنْ أجل أن يحكم الشخص ولا يمضي . . .؟
أمنْ أجل أن يمضي الوطن ولا يعود إلا فرقاً ممـزَّقة متواجهة . .؟
في حديث لجريدة الأهرام والذي به كان استهلال هذا المقال، يقول أيضاً الرئيس حافظ الأسد: «أنا أتصور أن الهدف البعيد للآخرين هو شطب شيء إسمه العرب، وعندما نذوب كعرب ، حتى ولو تمزقنا من الصعب أن نكون فِرَقاً قومية . . .»
هل كان الرئيس حافظ الأسد يستشرف المستقبل العربي، بأنَّ العرب هم الذين يشطبون إسم العرب، وهم الذين يُخْرجون أنفسهم من التاريخ العربي، وأن المسلمين هم الذين يخرجون من القرآن، ويشوّهون الوجه العربي والإسلامي بالتخلّف والتكفير . . . ؟
الرئيس حافظ الأسد حكَمَ ومضى ، والشريف فيصل بن الحسين، حين زحف الجيش الفرنسي على دمشق ووجَّه إليه الجنرال غورو إنذاراً ، ومع أنه كان قادراً على أن يستمر ملكاً على سوريا ، فقد شاء أن يمضي وفضَّل التضحية بالعرش على التضحية بالدم.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه أمام التاريخ وأمام قمة المؤتمر الإسلامي في اسطنبول . . . كيف أن كل الموروثات العربية والأموال العربية والممتلكات بما فيها آبار النفط ، تُسدَّد اليوم بسخاء للمصارف الأجنبية واليهودية ثمناً لهدر الدم العربي ، وشطب شيء إسمه العرب . . .؟
إنـه السـؤال الذي لا يستطيع ملك عربي أو رئيس أو أميـر، أن يجيـب عنه. . . والسلام على من اتَّبع الهدى.