Site icon IMLebanon

هجوم إسطنبول الإرهابي: مَن هو العدوّ ؟

الهجوم الإرهابي الذي استهدَف قلب اسطنبول ليلة السبت المنصرم، أسفر عن سقوط 45 قتيلاً وأكثر من 150 جريحاً. معظم الإصابات هي في صفوف رجال شرطة، مكافحة الشغب التي كانت تستعدّ إلى مغادرة ملعب «بشيكتاش» بعد إكمال مهامّ تأمين الحماية لمباراة في كرة القدم. منفّذو العمل الإرهابي هذا تعمَّدوا كما يقال مهاجمةَ رجال الأمن، وليس التركيز على المدنيين هناك على ما يبدو، وهي عملية تحمل أكثرَ من مدلول وتفسير في التخطيط واختيار الهدف وتوجيه الرسالة.

التفجير الأول تمّ بواسطة سيارة مفخخة، عند نقطة تجمّع وانتظار رجال الشرطة، والتفجير الثاني حدث عند الاشتباه بأحد الشبّان على مقربة من المكان، وكانت هناك محاولة لتوقيفه ففجّر نفسَه متسبّباً بوقوع المزيد من القتلى والجرحى.

الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد وصلت الى نحو 40 عملية إرهابية في الفترة الواقعة بين عامي 2015 و 2016، وكانت قد توقّفت تقريباً في الاشهر الثلاث الماضية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، لكنّها عادت بشكل مفاجئ وعنيف، على رغم أنّ السلطات الأمنية تقول إنّها نجحت في منع 300 هجوم ارهابي في عام واحد فقط.

التحقيقات الأوّلية تُشير الى هجوم نفَّذه أحد أجنحة حزب العمّال الكردستاني، لكن معظم القراءات والتحليلات في تركيا تلتقي عند مصالح مشتركة تجمع تنظيمات «بي كا كا» وداعش والكيان الموازي التابع لجماعة فتح الله غولن، وتَدفعهم للتخطيط والتنسيق المشترك لتنفيذ ضربات من هذا النوع.

حالة من الاندهاش والقلق والغضب والارتباك تعيشها تركيا في هذه الآونة، لكنّ المشهد في الشارع لم يتغيّر بالمقارنة عمّا كانت عليه الامور في 15 تمّوز المنصرم، تاريخ إفشال المحاولة الانقلابية. الالتفاف حول العلم والقيادات السياسية والتكاتف والتضامن والإصرار على الردّ مهما كان الثمن.

إستطلاع للرأي نُشر صباح اليوم التالي للهجوم، لكنّه أعِدّ قبل الهجوم بأسبوع، يشير إلى أنّ 80 في المئة من الشعب التركي يدعم خطط الحكومة في الحرب على الإرهاب، وأنّ 70 في المئة يرَون أنّ الجهود التي تُبذل في طريقها الصحيح للقضاء على التنظيمات الارهابية داخل تركيا.

الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان يقول بعد ساعات فقط على هجمات اسطنبول، «إذا كان يظنّ هؤلاء الأوغاد أنّنا سنترك لهم الميدان، فهم مخطئون، « لكنّ اردوغان نفسَه كان يقول في منتصف ايار المنصرم إنّ «منظمة بي كا كا الإرهابية تحتضر وتعيش لحظاتها الأخيرة، وكذلك ستكون اللحظات الأخيرة لامتدادات هذه المنظمة». فما الذي جرى في العام الأخير تحديداً ؟

يبدو أنّ التركيز هذه المرة سيكون على امتدادات هذا التنظيم داخل تركيا وخارجها.

بين الاحتمالات والتوقعات، الأقرب أن يدفع حزب «الشعوب الديمقراطية « المحسوب على أكراد تركيا ثمناً باهظاً بسبب مواقفِه وطروحاته الداعمة لحزب العمّال الكردستاني ومؤسسِه عبد الله أوجلان.

المسألة ستتجاوز اعتقالَ وسَجن العديد من قياداته السياسية بتُهمِ التحريض أو الإثارة او دعمِ الإرهاب، بل يبدو أنّ موجات التوقيف والاعتقال ستطاول اعتباراً من اليوم كوادرَه ومراكزَه في مختلف المدن التركية، وسط حملاتٍ واسعة لقطعِ الطريق على الامتداد المستمر بين الحزب والتنظيم الإرهابي. مِن المبكر جداً الحديث عن التوقّعات والاحتمالات حول أين وكيف ستتوقف الامور في هذه النقطة تحديداً.

تنظيم «الدولة الإسلامية» ومنظمة «بي كا كا» يتلقّيان الضربات الموجعة داخل تركيا وخارجَها. فخطط النفوذ والسيطرة والقدرة على التجييش والانتشار تتراجع بشكل كبير في صفوف التنظيمين، وهما يخوضان حربَ البقاء على قيد الحياة، لذلك لا تستبعد أجهزة الامن التركية انفتاحَهما وتعاونَهما ضد تركيا.

العمّال الكردستاني خاسِر اكبر في مدن جنوب شرق تركيا، بعد فشل دعواته للعصيان والتمرّد المدني والمسلح على السلطة. داعش الذي كان يقال إنّ تركيا تتغاضى عن تحرّكاته، أعلنَ الحرب المفتوحة عليها بسبب الضربات اليومية التي يتلقّاها في عملية «درع الفرات» العسكرية.

ثمّ جاء اللاعب الثالث تنظيم الكيان الموازي الذي قاد عملية الانقلاب الفاشلة في منتصف تموز المنصرم، في محاولة لحماية حصّته في المشهد السياسي التركي. لكنّ المشكلة الاكبر هي أنّ مَن يوحّد هذه التنظيمات، كما يقول الاتراك، هي أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، يهمّها استهداف تركيا وصعودها وأمنها وسياستها الداخلية والخارجية.

أردوغان يوجّه اللومَ إلى دول غربية بسبب دعمِها لـهذه التنظيمات «لماذا سَلطوا المنظمة الإرهابية الانفصالية على تركيا، لماذا يَمدّونهم بالسلاح والمال؟ مع الأسف يدعمونهم، ولا يتعاملون معنا بصدق». قناعات كثيرة في تركيا تلتقي عند هدف آخر لهجمات من هذا النوع، وهو ضربُ الصعود التركي الاقتصادي والأمني والاستراتيجي في الأعوام الاخيرة.

الاستطلاع نفسُه الذي نتحدّث عنه يقول إنّ أميركا والعديد من العواصم الاوروبية هي التي تدعَم هذه التنظيمات وتقف الى جانبها، لكنّ الغالبية تدعو لعدم توتير العلاقات وقطعها مع هذه العواصم. قمّة البرغماتية في الشارع التركي الذي يريد سياسة حكيمة متوازنة ودقيقة في خطط الحرب على الإرهاب خصوصاً في شقّها الخارجي، فكيف ستتحرّك القيادات السياسية في الايام المقبلة؟

مشكلة تركيا الاخرى ستكون حول طريقة التعامل مع مجموعات «حزب الاتّحاد الديمقراطي» الكردي السورية المحسوبة على صالح مسلم والمدعومة غربياً بشكل واسع.

واشنطن قرّرت في الفترة الأخيرة إرسالَ المزيد من الخبراء العسكريين لتدريب وتجهيز هذه المجموعات، شريكها الوحيد في سوريا. لكنّ الأخطر كما يرى الاتراك والعديد من اللاعبين الاقليميين، هو قرار تزويدها بمنظومة تسليح جديدة، بينها الصواريخ المضادة للدروع والطائرات.

تركيا اعلنَت هذه المجموعات تنظيمات ارهابية امتدادية لحزب العمّال الكردستاني، وواشنطن تقول العكس، فأين وكيف ستُحسم هذه المسألة من قبَل قيادات الادارة الاميركية الجديدة بعد اسابيع ؟ وكيف ستوسّع انقرة دائرة الحرب على الارهاب في الخارج، طالما إنّ حليفها الاميركي يقلب حساباتها وخططها ؟

أقلام تركيّة تتساءل كيف ستنجَح الأجهزة الامنية في القضاء على هذه التنظيمات في الداخل، إذا ما كان تمويلها وتجهيزها يتمّ في الخارج ؟ ولماذا لا يكون هناك استراتيجية تحرّك حقيقي ضد العواصم التي تدعم هذه المجموعات وتتغاضى عن نشاطاتها ؟

قبل ايام اتّهم احد كبار مستشاري الرئيس التركي كبار الطهاة الأجانب المتواجدين في تركيا، والذين يتجوّلون في مدنِها تحت ذريعة تعلّمِ فن الطبخ واكتشاف المأكولات العثمانية في الاناضول، أنّهم جاؤوا ليتدرّبوا على فنّ التجسس ورصدِ المواقع الامنية والعسكرية والخدماتية الحساسة في هذه المدن. مهمّة الاتراك صعبة حقاً، فالحرب على الإرهاب وصَلت الى الجواسيس والعملاء الذين يتجوّلون بملابس الطهاة ايضاً.