بهدوء وبروية ومن دون انفعال، والذي يعرف الرئيس الحريري عن كثب يدرك جيداً أنه غابت عنه ابتسامته المعبِّرة دوماً، كما كان مستعجلاً لإنهاء المقابلة.
يمكن استنتاج ما يلي مما أعلنه رئيس الحكومة سعد الحريري:
كما نجح في معركة الصمت، هكذا نجح في معركة الكلام، لقد أعاد الروح إلى محبيه وإلى مناصريه وإلى الشعب اللبناني قاطبة، فالجميع ينادي به اليوم، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن الساحل إلى أقصى الجبال.
نجح في إقناع العقول كما نجح في الدخول إلى القلوب، وما الدمعة التي سمَّرها في عينيه، حين الحديث عن الشعب اللبناني، سوى دمعة يذرفها كل لبنان بصمت، قهراً وعنفواناً وصوناً للكرامة الوطنية في موازاة الكرامة الشخصية.
نجح في قرار العودة، فهو عائد قريباً، ولكن هذه العودة لن تكون تقليدية أو عادية، بل هي عودة… ليبنى على الشيء مقتضاه.
سيناريو العودة، كما ألمح إليه الرئيس العائد، سيتم على الشكل التالي:
يعود إلى لبنان.
يتوجه إلى القصر الجمهوري ليقدِّم استقالته إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فتنتهي مرحلة الجدل حول دستورية الإستقالة وما إذا كانت تجوز خارج لبنان أو لا تجوز.
يشكره رئيس الجمهورية على تعاونه معه ويطلب منه تصريف الأعمال.
يتوجه الرئيس المستقيل إلى منزله في بيت الوسط لا إلى السراي الحكومي، باعتبار أنَّ رئيس الحكومة المستقيل لا يداوم في السراي.
يباشر رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة لتسمية مَن سيُكلَّف تشكيل الحكومة.
يعود الرئيس الحريري إلى قصر بعبدا، ولكن على رأس كتلته النيابية، ليُسمّي الشخصية التي ستكلَّف تشكيل الحكومة، فإما أن تتم تسميته هو شخصياً وإما أن تقرر الكتلة، برئاسته، وبالتشاور مع الحلفاء تسمية شخصية أخرى لتشكيل حكومة انتخابات، بحيث تكون مهمتها إجراء الإنتخابات النيابية، ويكون عمرها شهوراً معدودة، من تاريخ تشكيلها ونيلها الثقة ومباشرة العمل، إلى حين إجراء الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، فتستقيل في اليوم التالي لإجراء الإنتخابات.
ولكن قبل ذلك، سيُحدِّد الرئيس سعد الحريري السقف الذي يرضى به ليكون رئيساً للحكومة، أو لتسمية الشخصية التي ستشكِّل الحكومة. وهذا السقف وردت خطوطه العريضة في بيان استقالته يوم 4 تشرين الثاني، وفي إطلالته التلفزيونية أول من أمس الأحد، وهذا السقف لن يرضى الرئيس سعد الحريري بأقل من أن يكون من ضمن البيان الوزاري.
ستستمر مرحلة تصريف الأعمال إلى حين التوافق على تشكيل الحكومة من ضمن سلة تتضمن التشكيلة الحكومية ومضمون البيان الوزاري. وما لم تتم ملاقاة الرئيس سعد الحريري في منتصف الطريق لجهة السقف الذي حدده، فإنَّ مرحلة تصريف الأعمال ستطول أكثر مما ينتظره البعض وأكثر مما يتوقعه البعض، وقد تصل إلى موعد إجراء الإنتخابات النيابية، فيتم إجراؤها على يد حكومة تصريف الأعمال.
في مقابل خارطة الطريق هذه، وما لم يتم تشكيل حكومة، فإنَّ مرحلة تصريف الأعمال على مدى شهور ستة، هي إنهاك للبنان، فكيف سيتحمَّل البلد وضعاً خطيراً ودقيقاً من دون أن يكون قادراً على عقد جلسات لمجلس الوزراء؟
ماذا عن الموازنة العامة للعام 2018؟
ماذا عن بقية الملفات العالقة والتي تستدعي عقد جلسات لمجلس الوزراء؟
لقد دخل البلد في مرحلة كباش سياسي كبير، سيمتد من اليوم وحتى حزيران المقبل. ولكن على رغم هذا الكباش فإنَّ الرئيس سعد الحريري عائد، وهذا بيت القصيد.