لم يكن مفاجئاً أن تستمر المشاورات طويلاً حول القرار الذي كان منتظراً أن يصدره مجلس الوزراء أمس إثر جلسته الإستثنائية الماراتونية، فمن المستبعد إن لم يكن مستحيلاً أن تتمكن الحكومة السلامية من إتخاذ أي مقررات حتى في الشأن العادي، فكم بالحري في الشأن السياسي؟! وأي شأن! هذا الذي يتناول علاقات لبنان مع المملكة العربية السعودية في ضوء المستجدات الأخيرة، بالغة الدقة والخطورة، والتي تشكل منعطفاً لافتاً (بسلبيته) في هذه العلاقات التاريخية التي طغت عليها الإيجابية عموماً، في مختلف مراحلها الطويلة، منذ نحو قرن من الزمن. من هنا جاء القرار في بنوده الخمسة على قاعدة الكل يجد ذاته فيه.
ولا يفوتنا أن نذكر في هذا السياق أنّ البيان الوزاري، الأول الذي يرسم سياسة الحكومة، استغرق إعداده نحو شهر قبل أن يبصر النور، فيما الحكومة ذاتها سجّلت رقماً قياسياً قبل تأليفها الذي، هو أيضاً، استغرق نحو أحد عشر شهراً مضنية جداً قبل أن يتم تأليفها.
ولقد بدا الإعياء واضحاً على وجوه الصحافيين المرابطين في السراي الكبير وهم ينتظرون إصدار البيان في ما بدا انه وقت يوازي وقت الجلسة الطويلة وهم الذين توجهوا الى السراي منذ الصباح المبكر واستمروا الى المساء. وكاد البيان أن يصدر غير مرة، وربما خطر في بال الرئيس تمام سلام ان يصرف النظر عنه مرة أو مرّتين بعدما لقي من التصلّب بين من يريد لهجة عالية ضدّ حزب اللّه ووزير الخارجية، ومن يقول بحصر الهجوم على حزب اللّه وحده، وبين من يرفض أيّ إشارة الى »الحزب« ومن باب أولى إلى الوزير جبران باسيل.
وقد إستغرقت هذه النقطة وقتاً طويلاً، بل يمكن القول ساعات طويلة، وتخلّل الجلسة عشرات الإتصالات بين الداخل والخارج، بين رئيس الوزراء تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك بين الوزراء ومرجعياتهم.
ويمكن الجزم بأن البنود الخمسة التي تم التوصل اليها وتلاها الرئيس سلام هي نتيجة جهد جهيد بذله سلام… وسبق التوصل اليه تهديدات مشتركة من هذه الجهة أو تلك بالإنسحاب بعد تسجيل الإعتراض. الى أن فرجها ربك وصدر القرار الخماسي ليقول كلاماً يحمل طابع العمومية ولا يمكن لأي لبناني أن يعترض عليه سواء أكان شخصاً عادياً أم سياسياً، مسؤولاً أم غير مسؤول.
وبالتالي يصح القول إنه »لم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان«… فكان الكلام الذي لا يشبع رغبة افرقاء الى »كلام أقوى«. ولكن الكلام الأقوى ستكون له ترجمة واحدة على الأرض: فرط الحكومة، ويبدو أنّ هذا القرار ليس في خلفية المطالبين باللهجة »القوية«… لذلك قال تمام بك أمس إن القرار صدر عن الجلسة الإستثنائية بالإجماع.
المهم الآن متى يباشر رئيس الحكومة جولته الخليجية بدءاً بالمملكة العربية السعودية حاملاً القرارات الخمسة بما فيها الإلتزام بمبدأ »النأي بالنفس« ومن هم الوزراء الذين سيشاركونه؟ وإن كان واضحاً أنّ أحد وزيري التيار الوطني سيشارك في الجولة. ولكن يبقى السؤال ما إذا كان الوفد الوزاري سيشرك حزب اللّه في الجولة بعد الجواب عن سؤالين متلازمين: هل يوافق الحزب على المشاركة؟ و… هل توافق السعودية والخليجيات الأخرى على استقبال وزير الحزب؟!