Site icon IMLebanon

إنتهى التضامن الكلامي مع القاع… أين الأفعال؟

تعاطَف لبنان بأجمعه مع المأساة التي طاولت بلدة القاع، إذ إنّ المعاناة التي رافقتها على مدى أعوام بصَمت ظهَرت إلى العلن هذه المرة، وبعد التفجيرات، شكلت البلدة محجّاً للسياسيين الذين تضامنوا معها، لكن أين الخطوات العملية؟

جيرة القاع للحدود اللبنانية – السورية لطالما كلّفتها أثماناً باهظة وهو ما لمسه لبنان كله بعيد مأساة «الإثنين الأسود»، خصوصاً أنها جنّبته كارثة كانت محتّمة.

ونظراً إلى خطورة الموضوع، تُرجم التضامن الذي اعتادت عليه القاع كلامياً، بمبادرات عملية للرابطة المارونية والمؤسسة المارونية للإنتشار وشخصيات مارونية، في حين يجب أن يكون هذا العمل من واجبات الدولة، لكن ما هي الآليات التنفيذية للخطة الموضوعة؟

لم يفتدِ شهداء القاع الخمسة اللبنانيين فحسب، بل شكل استشهادهم دافعاً لينظر المعنيون إلى هذه البلدة المنكوبة، وعدم ترك البلدية وحزب «القوات اللبنانية» الذي يتمتع بحضور أساسي في البلدة وحيدَين في ملاحقة مطالبها الإنمائية والأمنية.

وفي هذا السياق، توجّه وفدٌ مشترك من الرابطة المارونية والمؤسسة المارونية للإنتشار ورجال أعمال موارنة على رأسهم ميشال ضاهر الى القاع، حيث اتفقوا مع البلدية على مجموعة من الإجراءات لتعزيز ثبات أبناء البلدة وقرى المنطقة في أرضهم، وذلك بعد عرض مفصّل للواقع الذي تعانيه على كلّ المستويات، فطالبوا الحكومة بسلسلة خطوات ضرورية.

أما على صعيد المبادرات الخاصة للروابط والهيئات المارونية ولرجال الأعمال، فأُعلن عن تأسيس صندوق لدعم صمود الأهالي ومساعدة أسر الشهداء والإهتمام بالجرحى بمبادرة من الرابطة المارونية، وكذلك تعهّد الوفد إجراء الإتصالات اللازمة مع وزارة التربية والمؤسسات التربوية المسيحية لدعم تعليم أبناء المنطقة وتخفيف كلفة الأعباء المدرسية عنهم، وإعادة دور القاع كمركز إستقطاب للتعليم في البقاع الشمالي، إضافة الى تقديمه التبرّعات.

في هذا السياق، يوضح رئيس الرابطة المارونية في لبنان النقيب أنطوان قليموس لـ»الجمهورية» أنّ «الرابطة ستتولّى الشق الاجتماعي في هذا الملف، حيث ستدعم أهالي الشهداء والجرحى، أما المؤسسة المارونية للإنتشار ورجل الأعمال ميشال ضاهر فسيتولّيان كلّ ما له علاقة بالإنماء والأمن، بالتنسيق مع بلدية القاع والجيش اللبناني».

وإذ يؤكّد قليموس أنّ هذه الزيارة لم تكن بهدف الاستعراض السياسي، يشدّد على «أننا لن نتعاطى مع هذه القضية على أنها آنية، بل ستكون المواكبة سيدة الموقف، وسنعمل كلّ ما في وسعنا ضمن إطار إمكاناتنا المتواضعة»، لافتاً إلى أنّ «هدف نشاطنا هو تجميع كلّ الطاقات ووضعها في هذه الخانة».

وعلى غرار القاع، تعاني بلدات مسيحية نائية بدورها إجحافَ الدولة بصمت، فهل ينتظر المعنيون مأساةً جديدة للتحرّك وإنصافها؟ وفي السياق يكشف قليموس: «وضعت زيارة القرى المسيحية النائية ضمن برنامجي، حيث سنزور رميش في 8 تموز، ثمّ سنزور دير الأحمر وبتدعي والقبيات وغيرها من البلدات والقرى، إذ نهدف الى تعزيز الحضور المسيحي فيها وتفاعله مع محيطه».

عندما تزور القاع تلاحظ أنّ أكثر ما أنعم الله به عليها هو أهلها، فليس فيها أشجار وأنهار ومنتجعات سياحية، ولا حتى طقس جيد أو منازل فائقة الجمال، لكنّ فيها أهلاً أحبّوا بلدتهم رغم حرمانها وقرّروا البدء بنضالهم حتى تحقيق الإنصاف، ولعلّ هذا العنفوان مرتسمٌ على جبين كلّ شخص يستقبلك في القاع، وهو ما لفت رئيس «المؤسسة المارونية للإنتشار» نعمة افرام الأكثر، إذ ينوّه بـ«اندفاع شباب القاع وحبّهم لبلدتهم وارتفاع معنوياتهم».

ويقول لـ«الجمهورية»: «الزيارة أظهَرت لنا حاجات البلدة، وعلى هذا الأساس رأينا أنها تصب في أبعاد عدة، إنما البعد الأوّل والألحّ، هو الشق الأمني، حيث تحتاج البلدة الى كاميرات مراقبة، وحراسة أشد، إضافة الى مساعدة ذوي الشهداء والجرحى، وهناك قضايا أخرى طويلة الأمد مثل خلق فرص عمل ومشاريع وهو ما بدأنا التداول فيه، أما الشق الآخر فيتعلق بمشاريع القاع ومشاكلها».

من جهة أخرى، واصل الجيش عملياته الأمنية في القاع، حيث دهم فوج المجوقل مخيمات النازحين السوريين في البلدة بما فيها مخيم النعيمات ومحلة المشاريع، وصادر كلّ الدراجات النارية واعتقل أشخاصاً لعدم حيازتهم أوراقاً ثبوتية.

لكنّ الأهالي لا يزالون على استنفار عالي المستوى، حيث يوضح رئيس البلدية المحامي بشير مطر أنّ «مبلغ الـ300 ألف دولار الذي قُدّم إلى البلدة سيُستعمل لكلّ ما له علاقة بحفظ الأمن باستثناء شراء الأسلحة، وسيشمل وضع كاميرات مراقبة، شراء سيارات لتعزيز الدوريات، وغيرها من القضايا اللوجستيّة»، مؤكداً «الجدّية التي أبداها الوفد، وسنعمل سوياً لتنفيذ المطالب الموجّهة للحكومة».

القاع المنكوبة اليوم ما زالت تعاني مشكلة انقطاع المياه وسرقتها ليلاً على رغم كلّ المناشدات والإدعاء والشكاوى، حيث يستفيد السارقون بانشغال أبناء القاع بحماية بلدتهم، فيقتل المجرمون أهل القاع ويسرق الناهبون مياههم.

وفي هذا الإطار يقول مطر: «لا فرق بين مَن يحاول تهجيرنا من خلال الإرهاب ومَن يحاول تهجيرنا من خلال سرقة مياهنا، فأرضنا زراعية، وإذا قُطعت المياه كيف نعيش؟»، كاشفاً «أننا سنصعّد هذا الموقف، ولكننا لن نستطيع المحاربة على كلّ الجبهات، والأولوية راهناً تقضي بحماية الأرض».

لا يعلم أبناء القاع من أيّ اتجاهات سيتلقون الضربات، ففي وقتٍ أداروا وجوههم إلى جهة الحدود لإبقاء عيونهم مفتوحة على تسلّلات الانتحاريين، طُعنوا في ظهورهم من مواطنين مثلهم، كان من المفترض بهم مساندة أبناء القاع، لكنهم استفادوا من انشغالهم بحفظ الأمن ليعتدوا على مياههم وأراضيهم ما يتلف مزروعاتهم ويحرمهم من لقمة عيشهم الأساسية.

وقد تكون المأساة التي عاشتها القاع أكدت أنّ الإرهاب لا يتجسّد بالإنتحاريين فحسب، بل بكلّ دناوة نفس استغلّت مصائب الغير لتحقيق غاياتها القبيحة.