بين تمدد الإرهاب مجدداً إلى أوروبا والاستعداد لضرب تنظيم «داعش» في سوريا، هل فوّت لبنان فرصة انتخاب رئيس للجمهورية؟
زادت تفجيرات بروكسل والاستنفار الأوروبي الأمني، أمس، من حالة الترقب لبنانياً حيال ما يمكن أن يؤول إليه الملف اللبناني العالق بين أزمات سياسية وأمنية كبيرة، وسط انشغال دول العالم بالملفات المتفجرة.
ثمة سؤال طرحه أمس سياسي متابع ومهتم بالتفاصيل الأمنية الأوروبية، عشية جلسة مجلس النواب: هل أُطيحَت الفرصة التي كان يمكن خلالها إمرار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل دخول المنطقة والعالم في انشغالات ورسم خرائط وسياسات جديدة على مستوى إعادة تركيب الأنظمة ومكافحة الإرهاب على السواء؟
ففي ظل الشاشات التي تنقل الحدث البلجيكي والهلع الأوروبي، كان يمكن تلمس الاهتمام اللبناني بالمشهد الأمني والتدابير والإجراءات في المطارات والمحطات. وينصب الاهتمام مجدداً، كما حصل بعد اعتداءات باريس (التي تزامنت مع تفجير برج البراجنة) على كيفية ارتداد هذه التفجيرات على سياسات أوروبية ودولية تجاه الشرق الأوسط والساحات التي يخرج منها جهاديون وإرهابيون، وحيث بدأ تمدد إرهاب هذه التنظيمات على اختلاف عناوينها وأسمائها، خارج إطار «الدولة» التي رسمت حدودها منذ سنوات، تزامناً مع انفلاش الحرب السورية وتطورات العراق العسكرية.
وإذا كان لافتاً حجم الاهتمام السياسي والشعبي اللبناني بما حصل في بروكسل، فإن تركيز العدسة السياسية على رئاسة الجمهورية مرده الى أن اقتناعاً بدأ يسود منذ جلسة 2 آذار النيابية، وما لحقها من تطورات عسكرية مع بدء سريان الهدنة وسحب روسيا القسم الأكبر من جيشها وسلاحها من سوريا، بأن ترحيل رئاسة الجمهورية الى ما بعد انتهاء رسم الشرق الأوسط بصورته الجديدة صار أمراً واقعاً، وأن الشغور الرئاسي سيدخل عامه الثالث. وإذا كان الربيع الأوروبي بدأ بمجزرة بلجيكية واستنفار أمني واسع، في ظل انتقاد للتراخي الاستخباري والأمني في مواجهة شبكات الإرهاب و»معسكراتها» في الأحياء والتجمعات، فإن ربيع الشرق الأوسط ينتظر أن يمر باستحقاق أساسي يتعلق بالحرب المنتظرة على تنظيم «داعش» في سوريا. ولبنان يفترض أن يكون معنياً بانعكاسات عملية كبيرة بهذا الحجم واحتمال تأثره عسكرياً وأمنياً بما ستنتجه أي ضربات على مسلحي التنظيم وارتدادهم على الحدود اللبنانية.
والتطورات العسكرية على أكثر من جبهة لا تلغي الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية الأميركية وصعود المرشح اليميني المتطرف دونالد ترامب. حتى الفرنسيون، سينشغلون تدريجاً بمعركة الانتخابات الرئاسية والصعود المتنامي لليمين المتطرف أيضاً، وخصوصاً بعد تجدد الهجمات الإرهابية. كل ذلك له خلاصة لبنانية أولية: تراجع الاهتمام بالملف الرئاسي اللبناني الذي كان يمكن النفاذ به في لحظات استرخاء دولية وإقليمية وقبل انفجار حدّة الخلاف السعودي تجاه لبنان ومع إيران.
لكن المشكلة أنه بقدر ما تشكل خطورة التطورات العسكرية في الشرق الأوسط هاجساً دائماً لقلة من المهتمين في لبنان، فإن القوى الأساسية لا تزال مشغولة بخلافاتها الشخصية وبترتيب مصالحها، في شكل يتقدم على معالجة الخلافات السياسية. فعشيّة جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، تورد أوساط سياسية الخلاصة الآتية:
الرئيس نبيه بري لا يريد انتخابات رئاسية تأتي برئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً ولو كان في ذلك احتمال إنقاذ للوضع اللبناني الذي أصبح مجدداً في عنق الزجاجة. ما يريده اليوم، فتح المجلس النيابي في دورة الانعقاد العادية وإلزام القوى السياسية بالحضور الى ساحة النجمة، وهو مستعد مقابل ذلك للمبادلة بورقة تأجيل الانتخابات البلدية لمن يرغب.
أقصى ما يمكن حزبَ الله فعله، وهو المشغول بمتابعة ارتدادات التطورات السورية، وبخلاف الضغط الذي يريد العماد ميشال عون والقوات اللبنانية منه، هو ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله: أي استمراره في ترشيح عون للمرة الألف. لن يضغط حزب الله على رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لينسحب من السباق الرئاسي. لكن ما فعله الحزب أكثر تقدماً: لن ينزل فرنجية الى أي جلسة رئاسية ولو ختم الرئيس سعد الحريري البوانتاج بالأصوات اللازمة، ما دام عون مرشح الحزب.
الرئيس سعد الحريري متمسك بفرنجية، ويصر أمام محدثيه على أن السبب الأساسي لرفضه العماد ميشال عون هو أن السعودية لا تزال ترفضه ولن تقبل به رئيساً. أبعد من ذلك، ليس بإمكان الحريري أن يقوم بأي خطوة سياسية متقدمة. عمله ينحصر بإدارة الملفات المالية والحيوية التي تهمه، كما حصل في استعادة «سوكلين» لإدارة النفايات.
وإذا كان الحريري صامتاً، مثله مثل النائب وليد جنبلاط، عن استفزاز القوى المسيحية المعنية مباشرة بملف الرئاسة، فلأن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية باتا يملكان زمام الوضع المسيحي بخلاف ما كانت تتوقعه ترويكا بري ــــ الحريري ــــ جنبلاط. عون وجعجع اليوم أمام تحدّ استراتيجي أساسي يتعلق بحضور المسيحيين في النظام وفي تركيبة الحكم القائم على التوازنات.
على طاولة الحوار، يحتاج بري والحريري وجنبلاط الى الميثاقية. فعلى هذه الطاولة، لا يمكن التذرع بأي حجة لتبرير غياب عون، ويحتاج التشريع الى الميثاقية وإلى حضور التيار والقوات، كما تحتاج الحكومة الى حضور التيار الوطني الحر، وتحتاج المالية العامة الى المناطق التي توالي هذين التيارين لدفع الضرائب على كل مستوياتها.