قامت القيامة في انكلترا ولم تقعد نتيجة لمحاولة اغتيال جاسوس روسي حاولت السلطات الروسية تسميمه مع ابنته، وكانت نتيجته، إفلاتهما من الموت، وبقاءهما على قيد الحياة.
انكلترا… ممثلة بوزير خارجيتها المشابه بشكله للرئيس ترامب، أعرب عن موقف بلاده الهائج المائج ضد هذا التصرف «الإجرامي المشين» وتبعته، جملة من المواقف الدولية التي أعربت عن تضامنها مع انكلترا واستعدادها للوصول بهذا التضامن إلى أقصى وأصلب الحدود التي قد تصل إليها لندن بهذا الصدد، دون أن نغفل الموقف الأميركي المستقوى به من قبل الجتمع الأوروبي والموجه بكامل الشدّة والحدّة، إلى الطاغية بوتين الذي تجاوز في تصرفاته كل السدود وكل الحدود.
جاسوس روسي جرت محاولة تسميمه من قبل المخابرات الروسية أدّى إلى كل هذا الهيجان الإنلكيزي متجاوزا برودة الإنكليز في ردود فعلهم وفي ديبلوماسيتهم وفي محاولاتهم الدائبة للظهور بوجه الحكيم الممسك بأعصابه والمتحكم بقراراته. الجاسوس المعتدى عليه روسياً والذي حالفه الحظ هو وابنته فلبثا على قيد الحياة وقيد العلاج، أسفر عن طردٍ لثلاثة وعشرين ديبلوماسياً من سفارة روسيا في لندن، وإلى شبه قطع للعلاقات الروسية-الإنكليزية، وإلى هيجان غير مسبوق لدى الرأي العام الإنكليزي ومعه نظراؤه الأوروبيون، الذين وصلوا في حدود التضامن إلى طرد ديبلوماسيين روس عاملين في بلادهم. أما عدد الدول المتضامنة مع الموقف الإنكليزي، فقد وصل إلى رقم مذهل:21 دولة!.
الأمر الذي لا بد أن يعيدنا إلى هذا الشعب السوري المغمور بالظلم والقتل اليومي والإحتلال المكشوف، وطلعات الطيران الروسي القاتلة من القواعد الجوية الروسية ومجازر الموت والدمار التي تلحقها كل يوم بمئات الأطفال والشيوخ والنسوة منفذة في الغوطة وفي سواها، إبادات جماعية، ودافعةً بأربعماية ألف مواطن سوري خارج بيوتهم وأحيائهم ومدنهم وقراهم في عملية ترانسفير تضاف إلى «أفضالها» السابقة المتمثلة بعمليات مماثلة، تغيّرت من خلالها معالم بلد عريق في تاريخه وفي حضارته وفي تشبثه بوحدة أرضه ومحاربته لمحاولات ابتلاعها ظلماً وعدواناً، وتقسيمها إلى نثرات من الأماكن شديدة الضعف والوهن، تحكمها أقليات همّها أن تبقى متقوقعة في إطارات انعزالياتها وارتباطاتها المشبوهة، حتى لباتت سوريا اليوم، مرتعاً للطغيان والظلم والقتل الشامل والإبادة الجماعية، ومساحة من الأرض تجرّب روسيا على امتدادها، الحديث من أسلحتها، وتعتبر مجازرها، درّة التجارب الناجحة لأهم سلع الدنيا الحديثة… دنيا السلاح التي تترجم دخلاً مادياً ذا حجم وذا أثر في تطوير طموحات القيصر بوتين العسكرية، وفي تقليص حجم ثغراتها الإقتصادية، وفي إعطاء درس للشعوب جميعا، أن تأخذ عِلماً بهذه القوّة الجامحة والجانحة التي نهضت من ركام الإتحاد السوفياتي الراحل، وباتت قوة عظمى، تسعى إلى أن تنافس الولايات المتحدة في عظمتها وموقعها المتفوق وإمكانياتها الحربية الهائلة، وتسيّدها في تجارة السلاح. كل ذلك مركون جانباً ومسكوت عليه، لا يلقى من الإهتمام من قبل ما يسمى بالرأي العام الدولي إلاّ بعض الكلام المعسول، فإذا بمحاولة لإغتيال جاسوس روسي أثار من ضجيج هذا المدعو رأيا عاما دوليا، ما لم تثره ثماني سنوات من ظلم وطغيان، وإبادة وقتل جماعي وترانسفير متنقل، واستعمال للأسلحة الكيماوية وتشريد داخل سوريا وخارجها لما يقارب من خمسة عشر مليون إنسان.
ومع الأسف الشديد… الوضع نفسه يكاد أن يكون وضع الرأي العام العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.. هو أيضا مغرق في الهزال والتفتت بكل فعالياته وإمكانياته ومتبعثر في انتماءاته إلى قوى إقليمية ودولية متنوعة، يلقى منها التأييد والتشجيع على معاداة بعضها بعضا، والإنشغال في جني ثمار تلك الإنتماءات بمكاسب سياسية ومالية وفسادية وارتشائية. حتى القدس… تلك المدينة المقدسة، بمسجدها الأقصى الذي يعتبر جزءا أساسيا متداخلا في صلب الوجود الإسلامي، والذي تعدت عليه في المدة الأخيرة مواقف الولايات المتحدة المتمثلة برئيسها ترامب الذي حوّل بوصلة الوقائع والأحداث بصددها لتتفق تماما مع المطالب الإسرائيلية بعمقها الصهيوني المعادي لروحانيات هذه المدينة وعقائدها الدينية التي تعتبر في الواقع التاريخي مدينة متعددة الأديان والإنتماءات والمعالم، فإذ بالصهيونية وراعيها الأول ترامب، يقلبانها رأساً على عقب ليحصرا وجهتها بدولة إسرائيل وبمواقفها المعادية للدينين الإسلامي والمسيحي، محاولا أن يجعل السيادة عليها واقعيا ومعنويا، حكرا لإسرائيل وقد تمثلت في هذه الفترة بأقصى اليمين اليهودي المتطرف المتآلف تماما مع أقصى اليمين الأميركي شديد التطرف.
حتى القدس… ما زال العالم العربي غافلا عنها، وعن التهامها قطعة قطعة، من قبل إسرائيل، يلحق بها بالتمام والكمال، مع الإلتهامات الإسرائيلية السابقة للأراضي الفلسطينية، بما يكاد مع مرّ الأيام أن يلغي وجودها وهويتها ويلحق الجزء من شعبها الذي ما زال مقيما في أرض آبائه وأجداده، مزيدا من التحكم والتسلط والمظالم المتنامية وإلى محاولات لاستكمال إسرائيل للدياسبورا الفلسطينية العربية المنتشرة في العالم كله عموما وفي بعض البلدان العربية المحيطة بفلسطين خصوصا. غيبوبة عربية تامة تقريبا، والأرض العربية إلى مزيد من الإغتصاب والتقاسم، ولنا في ما يدور حاليا في سوريا المنكوبة، أفصح دليل. أما الأمم المتحدة فهي تكاد أن تكون متحدة على هذه المنطقة من العالم تصيح كالديك الفصيح، دون أن يكون لصياحها أي أثر وأية نتيجة… والمذابح مستمرة.