Site icon IMLebanon

لا بدّ من تمرير المرحلة

لم يكن في الإمكان افضل مما كان. ان يكون في لبنان رئيس للجمهورية، قد يكون، افضل من استمرار الفراغ الرئاسي. ان تكون في لبنان حكومة، قد يكون أيضا، افضل من ان يبقى البلد في ظل حكومة تصريف للاعمال.

الأكيد ان الحكومة التي شكّلها الرئيس سعد الحريري ليست حكومة مثالية، بل ابعد ما تكون عن المثالية. هناك دائما رغبة لدى الحريري، تماما كما كانت عليه الحال في ايّام الرئيس رفيق الحريري، في الاتيان بأفضل اللبنانيين الى الحكومة. ولكن ما العمل عندما يكون على المرء التعاطي مع «حزب الله» الذي لا يؤمن بشيء اسمه لبنان والذي يمتلك سلاحا غير شرعي يستخدمه حاليا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس الّا، وفي نشر البؤس حيث استطاع في لبنان.

كلّ شيء يهون من اجل تمرير المرحلة العصيبة التي يمرّ فيها لبنان، وهي مرحلة جعلت العالم يتجاهل وجود البلد على خريطة الشرق الاوسط، خصوصا في ظلّ ما يدور في سوريا والمنطقة. صار لبنان تفصيلا في ضوء معركة حلب التي يبلغ عدد

سكانها وسكان المناطق المحيطة بها عدد سكّان الوطن الصغير، ان لم يكن اكثر. لذلك كان على اللبنانيين، الذين يعملون فعلا من اجل خدمة بلدهم، تجاوز كلّ الاعتبارات وتقديم كلّ التنازلات، وان في حدود معيّنة، من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه.

لا بدّ من النظر الى النصف المليء من الكوب. هناك وزراء يشرّفون الحقائب التي يشغلونها. هؤلاء لم يتغيّروا ولن يتغيّروا. هؤلاء صمدوا دائما الى جانب الحقّ الذي يمثّله سعد الحريري الذي قدّم كل ما يستطيع تقديمه وضحّى بالغالي والرخيص من اجل المحافظة على تراث والده وخدمة لبنان واهله. على رأس هؤلاء الوزراء يأتي نهاد المشنوق الذي صنع فارقا كبيرا منذ تولّى وزارة الداخلية قبل زهاء ثلاث سنوات واستطاع ان يكون وزير كلّ لبنان. كان وزير كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، لا لشيء سوى لانّه وزير الداخلية والبلديات، أي انّه وزير يؤمن بانّه مسؤول عن امن كلّ لبناني وعن كلّ بلدية في مدينة وقرية وبلدة.

لا بدّ من تمرير المرحلة. هناك وزراء صالحون في الحكومة التي شكّلها سعد الحريري. هناك محاولة واضحة لاشراك اكبر عدد من القوى السياسية في الحكومة التي فرضتها موازين معيّنة للقوى. هذه الموازين التي لا خيار آخر سوى خيار مواجهتها والسعي الى تغييرها لمنع ايران من تحقيق ما تريد تحقيقه في لبنان، أي فرض وصايتها على البلد، تماما كما كانت عليه الحال مع الوصاية السورية بين 1990 و 2005 عندما دخل الجيش السوري الى وزارة الدفاع وقصر بعبدا.

في الإمكان قول الكثير عن تشكيل الحكومة، وعن انّ سعد الحريري كان يفضّل حكومة لا يتجاوز عدد اعضائها الأربعة وعشرين وزيرا. هذا واقع لا يمكن تجاهله. يظلّ السؤال هل كان على سعد الحريري الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة وافشال العهد الجديد قبل ان يبدأ… ام تقديم تنازلات وتضحيات بغية نقل البلد الى مرحلة جديدة تعود فيها المؤسسات الى وضع شبه طبيعي في منطقة لم يعد فيها شيء طبيعي؟

كان الخيار صعبا الى حدّ كبير. ولكن هل كان معقولا ترك البلد من دون حكومة بعد تركه سنتين ونصف سنة من دون رئيس للجمهورية؟ ثمّة من سيقول انّه كان من الأفضل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ما دام «حزب الله» يريد فرض شخص محدّد على اللبنانيين ومنع النوّاب من النزول الى المجلس لممارسة حقّهم الطبيعي في انتخاب رئيس. هذا صحيح لولا ان الفراغ الرئاسي كان في حدّ ذاته هدفا لـ»حزب الله» وايران.

ثمّة من سيقول انّ من الصعب الدفاع عن الحكومة. هذا كلام يمكن فهمه. من الصعب الدفاع عن وزراء فرضهم «حزب الله» من اجل تأكيد مدى تضايقه من الثنائي المسيحي الجديد المتمثّل بـ»القوات» و»التيار الوطني الحرّ» ومدى إصراره على السير في مشروع تغيير النظام في مرحلة معيّنة بدءا بالسيطرة على مجلس النواب الجديد. ولكن ما العمل في وقت هناك تخلّ أميركي واوروبي، وعربي الى حدّ ما، عن لبنان الذي تُرك يواجه وحده العاصفة التي تضرب سوريا. هل يمكن ترك البلد من دون رئيس وحكومة من اجل الوصول الى «الموتمر التأسيسي»؟

في عرضه للأسباب التي دفعته الى تأييد وصول ميشال عون الى الرئاسة، تحدّث سعد الحريري عن «مجازفة». القبول بمثل هذه الحكومة مجازفة أخرى على طريق مواجهة الاستحقاقات التي يبدو البلد مقبلا عليها في المدى القريب. في مقدّم هذه الاستحقاقات القانون الانتخابي الجديد.

وحده الوقت سيكشف هل كانت المجازفة في محلّها وهل كانت هناك خيارات أخرى في ظلّ التفتت الذي ضرب «جبهة الرابع عشر من آذار» والانقسامات المسيحية التي يعتبر غياب «الكتائب» عن الحكومة افضل تعبير عنها.

في كلّ الأحوال، لم تكن هناك خيارات كثيرة امام القوى التي ايّدت ميشال عون رئيسا، وذلك بغض النظر عن الرأي الشخصي في الحكومة.

بصراحة ليس بعدها صراحة، لم يكن لبنان في وضع يسمح له بممارسة لعبة الانتظار في وقت يظلّ الرهان الايراني على ملء الفراغ، أي فراغ، والاستفادة منه في خدمة مشروع بعيد المدى يستهدف وضع اليد على لبنان. ثمّة امل بان يساعد تشكيل الحكومة في التصدي لمثل هذا المشروع… ذلك هو بيت القصيد ولا شيء آخر غيره.