في الوقت الفاصل عن الجلسات الماراتونية للحكومة، المعلقة على حبال الشلل، بحسب ما يعتقد كثيرون، تتزايد لعبة شد الحبال، بين من يدعو لضرورة تحرير الجيش لجرود عرسال وبين من يربط هذه القضية بالميدان السوري، رغم المفارقة المسجلة بحسب مصادر متابعة، بتقدم موضوع التعيينات على موضوع عرسال عمليا، لدرجة يمكن القول ان المعركة الدائرة داخل الحكومة، ومن على منبر الرابية، هي معركة التعيينات. اما معركة عرسال فان لها ظروفها وحيثياتها فيما قاسمها المشترك ان الكرة في ملعب الرابع عشر من آذار والمستقبل بالتحديد، في حال ارادا اعادة التوازن المنكسر.
فالوفد العرسالي الكبير الذي التقى في السراي رئيس الحكومة، ومن بعده وزير الداخلية في مقر وزارته، بانتظار تحديد موعد مع قائد الجيش، في اطار تحركه المضاد للتعبئة التي ينظمها حزب الله في بعلبك الهرمل بين صفوف العشائر، بحسب مصادر عرسالية، رسم خطا فاصلا بين ما هو مقبول وما هو مرفوض، رغم ان الاخطر جاء على لسان النائب المستقبلي جمال الجراح، باسم الوفد، بان حدود عرسال هي «عكار وطرابلس والطريق الجديدة ومجدل عنجر وسعدنايل وكل لبنان»، في اشارة واضحة الى ان الهجوم على عرسال لن يكون نزهة بل ستكون له تداعيات سياسية وجغرافية وربما امنية.
ورغم المواقف الواضحة التي أكدت ان عرسال ليست خارج الدولة، بل هي تواقة اليها، ورغم تكثيف الجيش وجوده داخل البلدة، وتحكمه بمداخلها ومخارجها وسيطرته المطلقة على حركة المسلحين في جرودها، يبدو «حزب الله»، ومن خلفه وزراء الاصلاح والتغيير، مصرين على حدّ قول مصادر في 8 اذار على ان تحفل جلسة اليوم بنقاش جدي حول دور الدولة والجيش في معالجة هذه الأزمة، حيث تشير مصادر في الثامن من آذار الى «ان السقف الذي وضعته المقاومة مرتفع في مسألة الجرود، وهذا يحتّم على الحكومة تحركاً سريعاً لتنفيذ إجراءات عملية تحمي عرسال من الإرهابيين، ولاحقاً لطردهم من الجرود، وعليه سيكون النقاش في الوسائل والآليات حصرا»، مشيرة إلى أن انتشار الجيش بقوة داخل عرسال وفصل البلدة بشكل تام عن الجرود يمكن أن يكون خطوة أولى لحلّ الأزمة، ومن ثمّ إيجاد الحلول المناسبة لمسألة مخيمات النازحين.
غير ان مداخلة وزير الداخلية امام مجلس الوزراء، رسمت بنظر الرابع عشر من آذار اطار اي اتفاق، استنادا الى نقاط ثلاث: اولا، نأي هذا الفريق بنفسه عما يحصل في سوريا منذ وقت طويل، ثانيا، تحذيره على لسان وزير الداخلية منذ ثمانية اشهر من ان عرسال مقبلة على امر كبير وخطير محملة حزب الله والتيار الوطني الحر مسؤولية ما وصلت اليه الامور نتيجة رفضهما استثناء عرسال لجهة اقامة مراكز ايواء للنازحين السوريين، ما يصعب المعالجة اليوم في ظل وجود اكثر من ثمانين الف مدني وان كان بينهم مقاتلون، وقد سمع المسؤولون في هذا الخصوص اكثر من تلميح خارجي، وثالثا، رغم انه لا خلاف على ضرورة تحرير عرسال وجرودها من المسلحين الموجودين فيها، فان ما طرأ في عرسال ليس بالحجم الذي يحكى عنه وبالتالي ليس هناك امر طارئ يستوجب الاستنفار، حيث تؤكد التقارير الامنية ان حوالى 200 من المسلحين الذين كانوا موجودين في القلمون، انكفأوا الى منطقة جرود عرسال، في ظل قدرة على الحركة محدودة جدا لا بل معدومة باتجاه اي قرية لبنانية كبعلبك ورأس بعلبك وغيرهما بسبب تحصينات الجيش.
من جهتها اكدت مصادر مواكبة للتحضيرات الى وجود تسعة وزراء على لا ئحة طالبي الكلام في جلسة اليوم، التي لن تشهد اي تطورات دراماتيكية، موضحة ان كل الاثارة التي ترافق هذه الجلسات لا تعدو كونها قنابل دخانية لطرح موضوع التعيينات المؤجلة الى يوم الخميس بانتظار نضوج الاجواء واتضاح الرؤية.
من هنا تجمع المصادر الوزارية، على ان جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، لن تكون جلسة انفراط عقد الحكومة، مضيفين أن ملف عرسال وملف التعيينات الأمنية لن ينفجرا بوجه رئيس الحكومة تمام سلام رغم عدم التوافق الكامل بشأنهما، بسبب عدم نية حزب الله والوطني الحر افتعال أزمة كبيرة عشية زيارة رئيس الحكومة تمام سلام للرياض الثلاثاء، بما يستعيد مشهد إسقاط حكومة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2011 خلال لقاء كان يعقده مع الرئيس الأميركي باراك اوباما، مرجحة أن لا يعمد وزراء الرابية – الحارة الى الاستقالة ولا حتى الى الاعتكاف، في ظل المساعي الجارية لحفظ ماء الوجه للعماد عون على قاعدة ان يلجأ، بحال التمديد المرجّح للمدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم بصبوص، مرّة الى مقاطعة جلسة وزارية وأخرى ربما الى تعطيل قرارات ودائماً تحت سقف منع سقوط الحكومة التي تبقى الملاذ المؤسساتي الأخير والتي تعكس القرار الاقليمي – الدولي بعدم انهيار لبنان.
وبحسب المصادر الوزارية فان التسوية التي يعمل عليها، تقضي بأن يطرح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موضوع تعيين المدير العام لقوى الامن الداخلي، مقترحا ثلاثة أسماء (العمداء عماد عثمان، سمير شحادة، واحمد الحجار) وفي نفس الوقت يطرح فيه ملء الشواغر في مجلس القيادة ورؤساء الوحدات الشاغرة، ليصار إلى إختيار أحدها، وبما أن أي إسم لن يحظى بأكثرية الثلثين المطلوبة، يعمد المشنوق إلى إصدار مرسوم بتأجيل تسريح بصبوص حتى أيلول بما يتزامن مع إنتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي، معتبرة ان ما يحصل اليوم سيؤدي الى اختلال بعمل المؤسسة العسكرية داعية من لديه راي معاكس باداء قائد الجيش او شكوك بالتمديد له الى اللجوء الى وسائل قانونية للطعن وليس للتشهير في الاعلام.
اذاً في جلسة الاثنين يستكمل النقاش في ملفي عرسال والتعيينات ويرحل الخلاف الى جلسة الخميس. على مواعيد «اللوتو اللبناني» وتوقيته، واستنادا الى نفس قواعد لعبته، تقلب الحكومة صفحات عمرها، عملا بمبدأ «اعطنا خبزنا كفاف يومنا»، فاذا لم يكن الاثنين فالخميس، دون ان يعني ذلك الفوز، حيث مراكمة الخسائر تضاهي مراكمة الفوز.
فهل ستكون الحكومة امام قطوع جديد ام ان التوافق ما زال ممكنا؟ ام هو هدوء ما قبل العاصفة ؟