IMLebanon

هل تهتزّ التحالفات على وقعِ المصالحات؟

على قاعدة أنّ «القِلّة توَلّد النقار»، تعكس الاتّصالات الجارية بعيداً من الأضواء مقولةَ «إنّ للنصر ألفَ أب أمّا الهزيمة فهي يتيمة». وما بين المعادلتين تبدو الأبواب مقفَلةً على الحلول لمسَلسل الأزمات التي هَزّت بعضَ التحالفات على وقع المصالحات، وباتَ الجميع أسرى مواقفِهم، في انتظار أن يتوافرَ القادرُ على إخراج البعض من مستنقعاتهم. فما الداعي إلى هذه القراءة؟

لا يجرؤ المطّلعون على خلفيات ومرامي تحرّكات ومصالحات كثيرة شهدَتها البلاد أخيراً على نفيِ ما فيها من أفخاخ ومقالب متبادَلة نُصِبَت في غفلةٍ تحت شعارات تدَغدغ عواطفَ الناس وتَعِدُهم بالأفضل، فيما الوقائع تتّجه يوماً بعد يوم نحو الأسوأ، وخصوصاً عند التوَغّل في ما أحدثَته مِن اهتزازات في بعض التحالفات التي كانت قائمةً سابقاً على هشاشتِها.

ولا يترَدّد هؤلاء في القول إنّ الاستخفافَ الذي رافقَ تعاطي البعض مع استحقاق انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية لم يكن صفةً شاملة لسلوكيات كلّ مَن تَعاطى مع هذا الموعد الدستوري. فهناك مَن تَقصّدَ الوصول إلى هذه المعادلة النيابية السَلبية. فقد كان أبطال تلك المرحلة يُدركون ما ستؤول إليه الأمور، وكانوا يترقّبون شَلَّ بقيّة المؤسسات.

فلم يكن مفاجئاً ما شهدَه المجلس النيابي مِن تمديد قسري لعطلته التشريعية التي امتدّت من ولايته الأساسية الأولى عام 2009. فكانت الولاية الأقلّ إنتاجاً في تاريخ السلطة التشريعية باعتراف أقطابه. واستمرّ الوضع على حاله في الولاية الممدّدة على مرحلتين إلى أن بلغَ التعطيل حكومةَ المصلحة الوطنية.

على هذه الخلفيات تتبادل الأوساط السياسية على نطاق ضيّق بعضاً من السيناريوهات التي بُنيَت على رهانات فاشلة وأوصَلت إلى المأزق الحالي بكلّ تشَعّباته السياسية والأمنية والدستورية، وعلى رغم كلّ الحركة السياسية الناشطة في السرّ والعَلن ما زال الفشَل يُظلّل كلَّ المحاولات القائمة لكسرِ الحلقة المفرَغة التي تتوالد فيها الأزمات وتتراكم.

في نهاية الأسبوع الماضي شهدَت الرياض اجتماعات مكثَّفة عقَدها الرئيس سعد الحريري الذي استضاف قادةَ تياره: الرئيس فؤاد السنيورة، وزير الداخلية نهاد المشنوق، مدير مكتبه نادر الحريري وعدداً مِن مستشاريه: غطاس خوري، باسم السبع وهاني حمود، وخُصِّصَت للبحث في ما آلت إليه الجهود المبذولة لمواجهة الوضع الأمني الناشئ في تلال عرسال خصوصاً والقلمون عموماً، والتي رفَعت من موجات التوتّر تزامُناً مع معالجة جزئية لملفّ التعيينات في المواقع العسكرية والأمنية، في ظلّ المعادلة التي فرضَتها مواقف العماد ميشال عون من التمديد وطلَبه تعيينَ قائد جديد للجيش ومدير عام لقوى الأمن الداخلي في سلّة واحدة، رافضاً الانتظارَ إلى نهاية أيلول، وهو ما شَلَّ العملَ الحكومي بمجرّد الإصرار على إقفال ملف التعيينات قبل البحث في أيّ شأن آخر على جدول أعمال مجلس الوزراء.

لم يُفاجَأ المجتمعون بما آلت إليه التطورات الحكومية، فقد كانوا على عِلم بمطالب عون، لكنّهم يدركون أنّ هامشَ الحركة لديه ضيّق ويمكن محاصرتُه. فكان السعي إلى حلّ ملفّ التمديد والتعيين في قوى الأمن الداخلي بمعزل عن ملفّ قيادة الجيش كأمر واقع لا بدّ منه أيّاً كان الثمن ولو أدّى إلى شَلّ العمل الحكومي.

لذلك انتهَت اللقاءات إلى تقويم سَلبي لِما يَحدث في القلمون وعرسال وأنّ عليهم المواجهة مع «حزب الله». وفي ظلّ قراءة متردّدة عن نتائج المصالحات الجديدة، قرأوا إيجاباً المرحلة التي قادَها المشنوق الذي تمَكّنَ من إحراج عون بترتيب مواقع أمنية في قوى الأمن كما أرادَها عون، وإنْ لم تَرقَ إلى مرتبة التمديد للّواء ابراهيم بصبوص عامَين فانفجَر الوضع. وعَلّقَ الرئيس تمّام سلام عملَ الحكومة مَنعاً لانفجارها في أوّل اجتماع كان يمكن أن تعقدَه اليوم الخميس كما كان مقرّراً.

وإلى هذه التطوّرات، بات واضحاً أنّ الموجةَ الجديدة من المشاورات التي يقودها الرئيس نبيه برّي ومعه النائب وليد جنبلاط متناغمَين مع رئيس الحكومة قد بدَأت من دون أيّ رهان على نتائج مضمونة.

فهناك مَن يترصّد مخاطرَ تحيط ببعض التحالفات القديمة في ضوء المصالحات الجديدة، ولنتائج زيارة الدكتور سمير جعجع إلى الرابية حصّة مِن هذه الترَدّدات في انتظار معرفة انعكاساتها على السعي إلى إنعاش مشروع «تشريع الضرورة». بالإضافة إلى رصدِ انعكاسات أحداث القلمون على طاولة حوار عين التينة بين «المستقبل» و«حزب الله» بعد 5 أيام.

والسَبب في كلّ ذلك شِبه مؤكّد، فقد بات كثُر مِن أطراف الصراع أسرى مواقفِهم والسقوف العالية، ويَحتاج بعضهم إلى مَن يوفّر لهم السُلّم للنزول من العالي منها، وسط قناعةٍ بأنّ الأمر يحتاج لبعض الوقت، وعلى جميع الأطراف التمتّع بنعمة الصبر والفرج.