لعلّها المرّة الأولى في تاريخ مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة عموماً، تبدو الولايات المتحدة الأميركية وحيدة، معزولة، لا تجد دولة واحدة تقف الى جانبها.
إنها لعنة القدس تحلّ على الولايات المتحدة الأميركية، كما حلّت سابقاً على سكان القدس من الكتَبة والفرِّيسيين في أيام السيّد المسيح له المجد، وقد وصفهم بأنهم قاتلو الأنبياء وراجمو المرسَلين إليهم (متى 37:23).
طبعاً، لا نغرق في «كشتبان» ماء، ولا نبني أوهاماً في الهواء، ولا نظن أنّ التصويت في مجلس الأمن الدولي يوم أول من أمس الإثنين سينهي الإحتلال الإسرائيلي، أو انه سيقضي على النفوذ الأميركي في العالم. كلا. لسنا في هذا الوارد من التفكير. ولكن تصويت 14 عضواً في مجلس الأمن الدولي مع مشروع القرار المصري (وضمناً) ضدّ قرار الرئيس دونالد ترامب حول القدس، هو ضربة معنوية مباشرة للهيبة الأميركية، وللغطرسة الأميركية، ولهذا الفيل الأميركي القابع في البيت الأبيض، ومنه ينطلق هائجاً ليحطم «فخار» السلام العالمي في غير منطقة من العالم!
ولا يبدو أننا نبالغ في كلامنا على «الضربة المعنوية»، إذ إن مندوبة واشنطن الدائمة في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي بالذات قد ذهبت أبعد منّا بكثير عندما وصفت تصويت أربعة عشر عضواً من أصل خمسة عشر يشكلون هيئة مجلس الأمن ضد قرار ترامب بقولها «إنّ ما شهدناه هنا، في مجلس الأمن الدولي إهانة لن ننساها». صحيح أن السيّدة نيكي هايلي ذهبت بعد هذا الإعتراف المباشر بـ«الإهانة» الى المكابرة، ولكنّ الشعور الأميركي بالحرارة بات ثابتاً. أمّا المكابرة فظهرت من خلال إدعائها حول اضطرار بلدها الى إستخدام الڤيتو (لأول مرة منذ ست سنوات) إن هذا الڤيتو «لا يحرجنا إنما يحرج بقية (أعضاء) مجلس الأمن». وهذا ادعاء فارغ!
لقد أسقط الڤيتو الأميركي المشروع المصري المدعوم من سائر بلدان العالم ولكن العالم قال كلمته التي يفترض أن تكون بداية لحراك ما (لا نعرف، اليوم، حقيقته وماهيته) لابدّ له من أن ينمو، ويتفاعل. خصوصاً أنّ الغضب العالمي ضد قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن اليها من تل أبيب لابد له من أن يتبلور في صيغة ما تتواتر المعلومات لتفيد بأنها قيد الدرس حتى داخل المكتب (الرئاسي) البيضاوي في البيت الأبيض… علماً أن الحماسة لقرار نقل السفارة بدأت نيرانها تخمد… ولأن ترامب شاهد بالعين المجرّدة، الحشود الضخمة التي تظاهرت ضد قراره في العالم كله وحتى أمام البيت الأبيض بالذات، ولأن فلسطين عادت الإنتفاضة العفوية لتشتعل فيها، ولأنّ عشرات البلدان أعربت عن إستعدادها لنقل سفاراتها لدى الدولة الفلسطينية من رام اللّه الى القدس الشريف!
فهل نرى نسبة الحمق تتراجع في البيت الأبيض؟!