تشكل سقوط تدمر في يد «داعش» مفاجأة مدوية على الساحة الملتهبة من اليمن مروراً بالعراق وسوريا لما يعنيه هذا السقوط في المنظور الاستراتيجي مخلفاً وراءه الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام، ويأتي في طليعتها كيف استطاعت جحافل الهمج والبرابرة الجدد الوصول الى المدينة عبر الصحراء، ولماذا لم يتم استهداف الارتال المهاجمة من قبل طيران التحالف الدولي الذي يستطيع مراقبة حركة النمل عبر الاقمار الصناعية، واين كان الطيران السوري ولماذا لم يستخدم طائراته علماً ان تدمر تقع في قلب الصحراء المكشوفة حيث لا يمكن للمهاجمين تمويه تحركاتهم او اخفاء آلياتهم وهل سقوط تدمر بداية ترسيم للخرائط داخل سوريا، ولماذا جاء سقوطها عشية احتلال «داعش» لمدينة الرمادي في العراق اثر انسحاب الجيش العراقي ما اثار خلافاً بين الحكومة العراقية والادارة الاميركية التي اتهمتها بالتقصير وفق الاوساط المواكبة للمجريات الميدانية.
وتضيف هذه الاوساط ان وصول «داعش» الى المدينة التاريخية في سوريا يشكل احدى علامات الازمنة وربما الامر دفع النائب وليد جنبلاط الى مناشدة السياسية اللبنانيين للتوحد والحفاظ على الاستقرار كون «البرابرة الجدد» باتوا على الابواب وهو موقف مغاير لمواقفه السابقة من «داعش»يوم اعتبرها «ظاهرة تملأ الفراغ»، ويبقى السؤال الذي يطرحه معظم المراقبين هل وصول الهمج الى تدمر نهاية لتمددهم المرسوم في المطابخ الخارجية ام بداية للتوسع نحو حمص التي تقع على بعد 160 كلم منها لا سيما ان التنظيم التكفيري وفق مصدر عسكري سوري «يحاول نقل المقاتلين من معاقله في الرقة ودير الزور الى تدمر شرق سوريا»، مشيراً الى ان «الدولة الاسلامية ستحاول بالتأكيد تحقيق المزيد من التقدم والمكاسب بعد استيلائه على تدمر».
وتشير الاوساط الى ان «داعش» ستتمدد نحو حمص بعد سيطرته على مناجم الفوسفات في ريف حمص الشرقي على بعد 70 كلم من تدمر ما يعني انه اختصر نصف المسافة للوصول الى ابواب المدينة وما يخشاه احد الخبراء العسكريين ان يكون هدف التنظيم التكفيري الوصول الى المياه اللبنانية في الشمال عن طريق ريف حمص كون الهجوم على المدينة ليس بالامر السهل وقد يتلافى ذلك بالالتفاف عليها عبر ريفها ليتواصل مع منطقة الوعر في واي خالد حيث لـ«داعش» خلايا راقدة وبيئة متعاطفة كي لا نقول حاضنة، فالارهابي قتيبة الصاطم الذي استهدف الضاحية الجنوبية بسيارة مفخخة وتبنت «داعش» العملية يومذاك هو من بلدة حنيدر احدى قرى وادي خالد، وكما هو معروف ان للتنظيم التكفيري وجوداً في بعض بلدات عكار وطرابلس وان بعض الارهابيين الذين سقطوا في طرابلس إبان معركة نهر البارد من بلدة فنيدق من آل ديب وقدور وغيرهم كما سقط نجل رئيس بلدية فنيدق احمد طالب قتيلا منذ اكثر من اسبوعين وهو يقاتل في صفوف تنظيم دولة الخلافة حيث اقام له والده مجلس عزاء طالباً من الله «أن يعتبره شهيداً».
أوساط اخرى ترى ان سقوط تدمر هو نهاية تمرد التنظيم باتجاه حمص ووفق معلوماتها ان «تنظيم الدولة الاسلامية» ابلغته مطابخ القرار الدولي عبر تركيا بذلك، كما تم ابلاغه بان تدمير آثار تدمر خط احمر وانه في حال اقدم على ذلك كما فعل في مدينة «نمرود» الأثرية في العراق فان طيران التحالف الدولي سيستهدف كافة مواقعه وارتاله وآلياته، فهل يلتزم البرابرة بذلك لما لتركيا من «مونة» عليهم خصوصاً انها حاضنته بشكل علني وان كافة المساعدات لـ«الدولة الاسلامية» من اسلحة ومؤن تمر عبرها كما انها تشكل سوقاً رئيسياً لشراء النفط السوري الخام منه، والمعروف ان القيادة التركية الطامحة لعودة الامبراطورية العثمانية كانت وراء احتلال مدينة كسب السورية ووصول التكفيريين الى البحر قبل ان تدرك انها خرقت خطا احمر رسمته روسيا ما ادى الى طرد الغزاة من كسب فهل يكون الساحل الشمالي بين عكار وطرابلس الهدف المقبل لـ«داعش» بعد سقوط تدمر ام ان خطاً أحمر مرسوماً على «الاجندة» الدولية يمنع حصول ذلك؟.. الايام المقبلة تجيب عن هذا السؤال كون كافة المعلومات الواردة من مراكز القرار تؤكد ان الصيف المقبل سيكون ملتهباً جداً من اليمن وصولا الى لبنان.