أما آن لروسيا القيصر فلاديمير بوتين أن تكتشف لبنان الثماني عشرة طائفة، أو تستعيد اكتشاف بلد التعدّدية الممدَّد فوق مساحة متواضعة لا تتجاوز عشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربَّعاً، بعد طول غياب وطول إهمال وطول تجاهل؟
أجل، وكما قال ميخائيل غورباتشيوف، إن هذا اللبنان المتواضع في حجمه ومساحته، يشكّل المحطة الأخيرة، في هذه الرقعة الجغرافيّة الأوسطيّة، التي يمكنها أن تؤثّر في مجرى الرياح السياسيّة وتغيّر اتجاهها من التطرّف والأسوأ إلى الاعتدال والأفضل.
وفي كلام للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران وردت نصيحة للدول الكبرى والمؤثّرة في الشرق الأوسط بالحفاظ على هذه العلامة الأوسطيّة الفارقة التي يمكنها أن تحقّق الكثير إذا أحسنوا الإفادة من “اختلافها الإيجابي والبنّاء”.
كان من الطبيعي أن يتطرّق الرئيس سعد الحريري إلى هذه “النقطة” الشديدة الأهميّة خلال محادثاته الناجحة مع الرئيس بوتين ووزير الخارجية سرغي لافروف، وأن يصارحهما بشيء من العتب المطعَّم بالمودّة بأن غياب الروسيا عن جلجلات لبنان المتعاقبة والمصيريّة ليس مبرّراً. وهو عكس ما ينتظره ويتوقّعه اللبنانيّون من الامبراطوريّة العتيقة التي كان ماضيها في لبنان أفضل بكثير وبمرّات مما هو الحال اليوم.
وبصراحة لا بدّ منها، كانت زيارة سعد الحريري لموسكو أكثر من ضرورة، وأكثر من مفيدة. ويأمل اللبنانيّون ألا تتأخّر نتائجها وإيجابيّاتها في الظهور على المسرح اللبناني، وخصوصاً في هذه المرحلة من الفراغ الرئاسي والسياسي، والضياع شبه الشامل على صعيد السلطة، كما بالنسبة إلى السواد الأعظم من الناس.
العلاقات بين البلدين تكاد تكون ببرودة الحرارة في موسكو خلال شهر كانون الثاني. أي، عكس ما يريده ويتمنّاه اللبنانيّون الذين بينهم وبين العاصمة الروسيّة خبزٌ وملحٌ وعلاقات عميقة الجذور، قبل بزوغ نجم أميركا واجتيازها المحيطات.
يقول لافروف “إن روسيا لا تزال تقف بثبات إلى جانب سيادة لبنان وسلامة أراضيه واستقراره”.
جميلٌ هذا الكلام. لكنه لا يختلف عن الأمنية الممنوعة من أن تتحقّق. فالاهتمام الروسي غائب عن لبنان وفراغه وأزماته وحروب جروده، ومنصبٌّ على ما يدور بين سوريا والعراق وإيران…
بل ناشدكم اللبنانيون السعي لدى محتجزي الاستحقاق الرئاسي، وهم من حلفائكم. إلا أن شيئاً لم يحصل، ولم يتغيّر حتى هذه اللحظة. وناشدتكم الأقليّات المسيحيّة المعرَّضة لأبشع أنواع الانتقام والقتل والتشريد واقتلاع الجذور من أرضها وتاريخها، في منطقة كانوا هم في أساس بناء حضارتها وتعايش تعددياتها. ولكن، ما من سميع، ما من مجيب، وإلى هذه اللحظة.
كم تتغيّر أوضاعٌ ووقائعٌ وأحداثٌ في المنطقة العربيّة، وفي لبنان حتماً، إذا أصغت موسكو بانتباه وعناية إلى ما سمعته من الرئيس سعد الحريري، وما ستقرأه في هذا الصدد.