IMLebanon

حان الوقت لإقرار قانون الضريبة على الأنشطة البتروليّة

تُجمِع الحكومة اللّبنانيّة وشركات النّفط الّتي تتقدّم لدورة التّراخيص الأولى على هدفٍ أساسي وهو الرّغبة في جني نسب عالية من الأرباح خلال فترة الانتاج، بالرّغم من أنّها لا تلتقي دائمًا على الأهداف نفسها إذ غاية شركات النّفط التّأكّد من أنّ عائد الاستثمار يتناسب مع المخاطر المتوقّعة، في حين أنّ الدّولة اللبنانيّة ترمي إلى زيادة مداخيلها لتحقيق غايات إقتصاديّة واجتماعيّة وإنمائيّة.

في الإطار عينه ولتحقيق هذه الأهداف، تلجأ دولٌ كثيرة على نحوٍ واسعٍ إلى نشر الشّفافية ضمن المؤسّسات ووضع أنظمة ماليّة موضوعية ومرنة. فتسعى العناصر الرّئيسة للأطر القانونيّة والماليّة المعمول بها في القطاع النّفطي إلى تحديد الميزات المطلوبة التي يُفترض النّظر بها في خلال رسم السّياسات الماليّة لزيادة عائدات الدّولة المضيفة آخذةً بالاعتبار أثر ذلك على مناخ الاستثمار فيها.

وتتبارى الدول في ما بينها لجذب الرّساميل والتكنولوجيا لكي تطوّر قطاع النفط فتطبّق السياسات والاستراتيجيات والأساليب الملائمة ممّا يفرض على كل دولة التأكّد من موقعها في السوق العالمي.

أمّا لبنان فعليه أن يدرس موقعه في سوق المنطقة ويقيّم وضعه الخاص وحدوده وأهدافه، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسيّة الّتي قد يواجهها. أمّا الشركات فتسعى إلى فرص استثمار تناسب واقع نسبة الأرباح مقارنةً بالمخاطر ويتأثّر قرار الاستثمار بتقاسّم العائدات والأرباح التي تنتج عنه وبالإجراءات القانونيّة والسّياسات الضريبيّة.

ويُعتبر النّظام الضّريبي مؤشّرًا للسّوق فيؤثّر في قرارات الاستثمار شرط أن يكون الإطار الموضوع واضحا وثابتا ولا يميّز بين الشّركات. وقد لجأت دول عدّة إلى وضع أطر ضريبيّة ملائمة على النّفط والغاز لدعم تطوير هذه الصّناعة.

في خلال وضع أي نظام ضريبي وقانوني يتوجّب على الحكومة أن تجيب على الأسئلة الآتية:

ما هو تأثير النظام الضريبي في إنتاج ومردود النّفط والغاز على المدى القريب والبعيد؟

هل يؤثر في النّمو الاقتصادي؟

هل يشجّع على تطوير الحقول الصغيرة؟

هل يشجّع على الابقاء على الاستثمار في الحقول أو التخلّي سريعا عن مواصلة العمل فيها؟

هل يتأثّر كثيرا الاستثمار في أسعار النّفط والغاز العالمية؟

وتستعمل أنظمة ضريبيّة عدّة حول العالم مقياسًا متحرّكًا لتحديد أقلّه واحدا من المعايير الآتية وهي الأتاوة أو العلاوة أو تقاسم الانتاج أو سرعة استرداد التكاليف أو نسبة الضّرائب فتُؤدّي المقاييس المتحرّكة إلى نظام مرن من خلال السّماح له بالاستجابة إلى المتغيّرات الّتي قد تحصل في خلال مدّة تنفيذ المشروع.

تشكّل المخاطر العالية والمشاريع الطويلة الأمد معايير دائمة في صناعة الغاز والنّفط. وبما أنّ المخاطر قد تتغيّر وفقًا للمشروع وبمرور الزمن يُفترض في أي نظام ضريبي أن يتميّز بمرونة كافية ليتمّ تقاسم المخاطر بطريقة محقّة وتفادي الحاجة إلى التفاوض أو إعادة التفاوض.

تسيطر على الأسواق اليوم مضاربة شرسة تفرض الاعتراف بمختلف المصالح الّتي لا تلتقي في ما بينها وإشراكها بهدف وضع إطار قانوني ومالي فعّال ومغرٍ يساهم في إنجاح عمليّة اكتشاف النّفط والغاز وإنتاجهما. غير أنّنا نفتقد إلى نظام مثالي يتبنّاه صنّاع السّياسات، فكلّ دولة تملك إطار عمل خاصًا بها لا يلائم بالضّرورة دولة أخرى.

يجيب النّظام الضّريبي اللّبناني وقانون الضّريبة على الأنشطة البتروليّة المقترح الّذي يُفترض أن يقرّه مجلس النّواب في القريب العاجل على معظم هذه الأسئلة وهو يتلاءم بشكلٍ جيّد مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي في لبنان.

أمّا المرسوم الرقم 43/2017 الّذي يتضمّن اتفاقية الاستكشاف والانتاج فذكر جميع النقاط المهمّة التي تحمي حقوق لبنان وتحافظ عليها وقد وضع نظاما لتقاسم الانتاج بدلا من نظام الأتاوة أو أي نظام آخر.

وبما أنّنا لن نستطيع شرح جميع نقاط المرسوم ولا مشروع القانون الخاص بالضّريبة على الأنشطة البترولية في هذه المقالة سوف نعرض في ما يلي أهمّها:

1- الضّريبة على ربح الشّركات النفطية : تتميّز بنسبةٍ أعلى إذا قارنّاها بالضرائب المفروضة على غيرها من الشركات وقيمتها 20% بدلًا من 17% المفروضة على الشّركات اللبنانية.

2- استرداد التّكاليف: يضع عقد تقاسّم الانتاج في لبنان حدًّا لنسبة الحسم التي سيعمل بها لاسترداد التّكاليف في كلّ فصل. وقد جرى تحديدها بـ65% كحدٍّ أعلى. أمّا اعتماد النسبة الفعليّة بين الدولة وشركات النفط فتحدّد في خلال تقديم المزايدة. يضمن استرداد التّكاليف بدء حصول الحكومة على مداخيل- بترول الكلفة- ما إن يبدأ بيع النفط. فلا ننتظر حتّى تسدّد الشركات مجموع تكاليفها لكي تبدأ بدفع حصّة الدولة.

3- تقاسم بترول الربح: يشكّل نفط الربح (أو غاز الربح) في عقود تقاسم الانتاج المدخول الذي يبقى بعد حسم استرداد التكاليف. وقد جرى تقسيم نفط الربح وفقًا لمقياس متدرّج تمّ تحديده على أساس عامل «R» وهو نظام يجري العمل فيه حاليًا في أكثر من 25 دولة حول العالم. ويسمح العامل «R» بتسهيل تطبيق حزمة السياسات الضريبيّة ويشجّع على تطوير الحقول الصغيرة.

ويتمّ تحديد نسبة تقاسم الأرباح بين الدولة وشركات النفط في خلال تقديم المزايدة، والتي لا يمكن أن تقل عن 30%.

4- الأتاوات: بالرّغم من أن النظام اللبناني يرتكز على تقاسم الانتاج إلّا أنّ الشركات مقيّدة بدفع الأتاوات، ما يشير إلى حسنات الأتاوات بالنسبة إلى الدولة إذ تُدفع ما إن يبدأ الانتاج. وبما أنّها مرتبطة بالانتاج يمكن توقّع مداخيلها بعض الشيء، ويمكن بسهولة احتسابها وتحصيلها ومراقبتها.

وحُدّدت نسبة الأتاوات في المرسوم المذكور أعلاه بين 5% و12% وفقًا للكمّية المنتجة في ما خصّ النّفط و4% للغاز، ولا تُحسب الأتاوة ضمن التّكاليف بالنسبة إلى الشّركات إذ لا يمكن خصمها من المداخيل.

5- تحديد الاطار (Ring Fencing): يشكّل تحديد الإطار ميزة في الصّناعة النفطيّة وهو يعود إلى تحديد أي رقعة بحرية (Offshore Block) التي تشكّل موضوع الضريبة. ففي حال عملت الشركة في رقعتين في نفس الوقت لا يمكن للمداخيل التي تنتج عن رقعة معيّنة أن تعوّض عن خسائر حصلت في رقعة أخرى. وإن عملت شركة في رقعتين تقوم بتغطية تكاليف كلّ رقعة على انفراد.

وبما أنّ دورة التراخيص تقترب من موعد انتهاء أجلها في 15 أيلول، من الضروري أن يُقرّ مجلس النّواب مشروع القانون الخاص بالضّريبة على الأنشطة البترولية في أقرب وقت للسماح لشركات النّفط بتقديم عروضها على نحوٍ ملائم، وبذلك نتجنُّب التعقيدات اللاحقة في حال تمّ تقديم العروض على أساس القانون الضّريبي الرّاهن وليس بحسب قانون مخصّص للقطاع المعني.

اختصاصي نفط وغاز