يختلف وقع تأجيل إنتخاب رئيس للجمهورية إلى الثلاثين من أيلول الحالي، بسبب عدم إكتمال النصاب للمرة الثامنة والعشرين، عن المرات السابقة بسبب المشهد الذي ظهّره هذا التأجيل في اللحظة السياسية المأزومة التي تعيشها البلاد منذ 19 آب الماضي، بأن إنتخاب الرئيس هو«العقدة والحل« في بلد يجتاحه الفراغ منذ أربعمئة وخمسة وستين يوما، وحول أيام اللبنانيين إلى درب جلجلة دفعتهم إلى حراك شعبي أطلق مقتهم من طريقة إدارة السياسيين لإستحقاقاتهم الدستورية ومؤسساتهم الشرعية وملفاتهم الحياتية، من دون أن يتوقف هؤلاء السياسيين منذ25 أيار 2014 عن إطلاق مقارباتهم الخاصة لفك «أحجية إنتخاب رئيس»، بدءا من تسمية كل من 8 و14 آذار لمرشحيهم، ثم إقتراح 14 آذار لإختيار مرشح توافقي ورفض 8 آذار، وصولا إلى إقتراح التيار «الوطني الحر« تعديل الدستور وإنتخاب رئيس للجمهورية مباشرة من الشعب، لتصل الازمة السياسية إلى عنق الزجاجة بإعلان مباشر من «حزب الله« وحلفائه بأنهم يساندون حليفهم رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للوصول إلى سدة الرئاسة، وفي ظل كل هذه المبادرات كانت الرهانات تتكثف بأن الاتفاق النووي الايراني سيحمل في طياته «كلمة السر» التي تمكن النواب من النزول إلى البرلمان وإنتخاب رئيس، في الوقت الذي لم تتوقف بكركي عن إلقاء «الحرم» على كل نائب يتقاعس عن أداء واجبه الوطني، فيما كان الشلل يتسلل إلى مجلس النواب والتعطيل إلى مجلس الوزراء تحت مسميات وملفات مختلفة.
كل هذا المسار لم يؤد إلى فكفكة عقدة الرئاسة بل زادها يباسا، إلى أن جاءت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، أي ملف النفايات الذي فشلت الحكومة في إيجاد الحلول الناجعة له، فكان الحراك الشعبي تحت عناوين مطلبية تحمل في طياتها إقرارا بأن عدم إنتخاب رئيس وتعطيل المؤسسات الدستورية هو مكمن الوجع وترياق الشفاء، وهذا ما أقرت به القوى السياسية بأشكال عدة كان أبرزها خلال اليومين الماضيين دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الحوار بين الاقطاب السياسيين في 9 ايلول الجاري للبحث في جدول أعمال أبرز نقاطه إنتخاب رئيس للجمهورية، في الوقت الذي ذكر بيان المطارنة الموارنة خلال إجتماعهم أمس» بأن السبب الأساسي للإنحدار الحاصل، يكمن في غياب رأس ناظم للدولة«.
كل ما سبق يشي بأن الأوجاع السياسية والاجتماعية والإقتصادية التي يعانيها اللبنانيون، تأتي من داء الفراغ الرئاسي، فهل يمكن للنواب الاستجابة لنداء «لبننة الاستحقاق» تحت ضغط اللحظة السياسية والإجتماعية المأزومة التي تعيشها البلاد؟، لا يمكن توقع النتائج التي ستسفر عن حوار 9 أيلول، لكن يمكن الاقرار بأن هذا الحوار سينعقد تحت ضغط الشارع المشمئز من تمادي الفراغ. وفي هذا الاطار يلفت عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري لـ«المستقبل»، الى أن على تحرك «طلعت ريحتكم» الذي سيتظاهر بالتزامن مع إنطلاق الحوار «أن يوجه مطالبه نحو إنتخاب رئيس لأنها الخطوة الاولى والصحيحة نحو فتح الآفاق في البلاد»، ويوافقه الرأي عضو كتلة «التحرير والتنمية« النائب ياسين جابر الذي يؤكد أن «صلاحيات الرئاسة الاولى هي المفتاح الذهبي للحياة الدستورية في لبنان، وطاولة الحوار المرتقبة ستجمع القيادات التي تملك مفتاح الاكثرية في المجلس النيابي».
ويشير عضو «اللقاء الديموقراطي« النائب هنري حلو الى ان «الرسائل التي يطلقها الشارع تصل إلى آذان القوى السياسية وهي بمثابة إنذار من إنفجار يمكن تجنبه عبر إنتخاب رئيس جديد».
ويشدد عضو كتلة «القوات اللبنانية« النائب أنطوان زهرا على أن «إنتخاب رئيس هو بداية الحل، لكنه يشكك في إمكانية إستجابة النواب المعطلين للسير فيه من خلال جلوسهم على طاولة الحوار المرتقبة وهذا ما حصل في جولات الحوار السابقة»، ويوافقه الرأي عضو كتلة الكتائب النائب نديم الجميل الذي يشير إلى أن «كل الافرقاء السياسيين ممثلون في الحكومة ولكنها معطلة، وبالتالي الحوار المرتقب لن يؤدي إلى نتيجة والحل هو بقيام النواب بواجبهم كما ينص الدستور وإنتخاب رئيس».
ويوضح عضو تكتل «التغيير والاصلاح« النائب ناجي غاريوس إلى أنه «منذ تطبيق الطائف لم يكن إنتخاب رئيس مدخلا للحل بل للتشنج السياسي في البلاد، وما نريده هو إنتخاب رئيس من الشعب».
إذاً إقرار الجميع بأن إنتخاب رئيس هو الحل لا يمنع إستمرار إختلافهم في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، إذ يلفت الجميل، إلى أن «التمسك بمقولة «عون رئيسا أو لا أحد»هي قمة المهزلة، والطريقة الوحيدة لحل الازمة الحاصلة هي إنتخاب رئيس بحسب الدستور، وعدم التلطي خلف طاولة الحوار لأن كل الافرقاء ممثلون في الحكومة ولكنها معطلة».
ويوافقه زهرا قائلا «لا يبدو ان النواب الذين لا يحضرون جلسات الانتخاب مستعدون لتغيير سلوكهم،فحزب الله سيتذرع بالمسؤولية الاخلاقية تجاه حليفه النائب عون لكي لا يساهم في حل الازمة، ولا أعتقد أن الحوار المزمع عقده سيؤدي إلى نتيجة والحل هو إلتزام النواب بأحكام الدستور،وعلى الاطراف المعطلة للإنتخابات عدم التلطي وراء الخلاف المسيحي حول الرئاسة الاولى، بل عليهم القيام بواجبهم تجاه المسيحيين ، ولا يقومون بإهانة الدور المسيحي في لبنان عبر تعطيل النصاب».
من جهته يعتبر غاريوس أنه «منذ تطبيق الطائف لم يكن إنتخاب رئيس مدخلا للحل بل للتشنج السياسي في البلاد، حيث تم التمديد لرئيسين بضغط دولي نتج عنه أزمة داخلية، وكان يمكن التمديد للرئيس ميشال سليمان لولا معارضة التيار الوطني، وما نريده هو إنتخاب رئيس من الشعب ونحن ذاهبون للحوار لنطالب بذلك».
ويشدد حلو على «أن إنتخاب رئيس هو مفتاح الحل، وعلى النواب الذين لا يحضرون جلسات الانتخاب سماع الرسائل التي يطلقها الناس في الشارع ، وهي بمثابة إنذار من إنفجار يمكن تجنبه عبر إنتخاب رئيس جديد».
ويلفت جابر إلى «أن صلاحيات الرئاسة الاولى هي المفتاح الذهبي للحياة الدستورية في لبنان، وطاولة الحوار المرتقبة ستجمع القيادات التي تملك مفتاح الاكثرية في المجلس النيابي، والصراخ في الشارع يجب أن يعترف به السياسيون والاتفاق على مخرج وحل له».
ويرى حوري أن على تحرك «طلعت ريحتكم» الذي سيتظاهر بالتزامن مع إنطلاق الحوار «أن يوجه مطالبه نحو إنتخاب رئيس لأنها الخطوة الاولى والصحيحة نحو فتح الافاق في البلاد، وعلى النواب الذين يعطلون الانتخابات الرئاسية ان يعرفوا أن إنتخاب رئيس هو مدخل للحل، لكن الجميع يعرف أنهم لا يقومون بواجبهم كترجمة لأجندة خارجية، فحزب الله ينفذ ما تطلبه الاجندة الإيرانية في المنطقة ويستخدم حليفه عون في تنفيذها».