IMLebanon

المطلوب آلية لمعالجة النفايات وليس الصلاحيات!

السياسة في أحد معانيها ليست سياسة الغرف المغلقة والادارة من قبل الأحزاب وتحالفات المصالح والمفاوضات على المنافع والمحاصصات الضيقة، بل يجب أن يكون لها انعكاس ايجابي على حياة المواطن وادارة مرافق الوطن، وإن كان أحد محاور حياة المواطن هي كيفية التخلص من قمامته المنزلية، فلا عجب أن تكون الزبالة كذلك من أهم البرامج السياسية، بل وعلى رأس أولويات العباد والبلاد، لأن الإنسان مُطالَب بالتخلص الآمن من قمامته حتى يعيش في بيئة نظيفة. وكمواطنين من حقنا أن نعيش بلا زبالة تجتاح شوارعنا وتعرضنا وأولادنا الى أخطر الأمراض الجرثومية والسرطانية. وبذلك تعتبر الإدارة السليمة للنفايات، من أهم القضايا التي ينبغي أن تحظى باهتمام السلطة السياسية من أجل المحافظة على صحة وسلامة الإنسان والبيئة على حد سواء. ولذا ينبغي على الأجهزة المعنية أن تضع استراتيجيات تتضمن التشريعات والآليات والأساليب والطرق لإدارة النفايات.

ونظراً لأن وجود النفايات بصفة عامة يسهم بشكل مباشر في تلوث البيئة وما يستتبع ذلك من آثار سلبية على صحة الإنسان والحيوان والنبات، لا بد من توجه خاص نحو جمع النفايات والتخلص منها وابتكار أساليب إدارية وفنية وتقنية واقتصادية تضمن القيام بمختلف العمليات الجمع والتخلص والمعالجة واستخدام الأساليب والتقنيات الحديثة في هذا المجال وذلك في إطار استراتيجية للإدارة المتكاملة للنفايات. ولا شك بأن أفضل معالجة لكافة النفايات لا بد وأن تعتمد على معرفة دقيقة بمكوناتها. لذلك فإن الطرق الحديثة المستعملة لمعالجة المخلفات الصلبة هي:

1ـ الردم الصحي: وهنا يجب اختيار موقع الطمر بعد دراسة لكل المواقع البديلة وهناك دراسات وضوابط علمية وصحية عديدة للأسلوب الذي يجب اتباعه في اختيار مواقع الردم الصحي.

2ـ الحرق مع استرجاع الطاقة: يعتبر هذا الأسلوب من الأساليب المعروفة لإدارة المخلفات الصلبة حيث يتم استرجاع الطاقة الكهربائية بحيث تبقى كمية قليلة جداً من الرماد الذي يمكن التخلص منه ولكن هذا الأسلوب يعرض البيئة الى تلوث الهواء وانبعاثات غازات مضرة على حياة الانسان.

3ـ التحليل الحراري: بالمقارنة مع الحرق، الذي هو تفاعل أكسدة مواد عضوية في الحرارة العالية، فالتحليل الحراري هو عملية تفاعل المواد المحتوية على نسبة عالية من الفحم، ويمكن أن نسميها عملية تحويل النفايات إلى غاز. وهذه الطريقة استعملتها بلدية صيدا للتخلص من جبل النفايات الذي كان يرتفع بحدود 54 متراً عن سطح البحر وبسبب قلة المساحات المتاحة للطمر الصحي، والمعمل يفرز كل النفايات التي تصله ويخمر النفايات العضوية بطريقة ميكانيكية بيولوجية لاهوائية آمنة للبيئة ويمكن من خلالها الحصول على الغاز الذي يستخدم في انتاج نحو 2 ميغاواط طاقة كهربائية تستعمل لتشغيل المعمل و150 ميغاواط لإنارة بعض الشوارع في المدينة. ولكن خطة التوسعة لم تستمر بسبب الكلفة العالية للمحولات الكهربائية التي لم تأمّنها شركة الكهرباء لهذا الغرض.

4ـ تحويل النفايات إلى أسمدة عضوية: هي عملية تحلل هوائي للمخلفات العضوية بغرض تحويلها إلى سماد عضوي يمثل مادة محسنة لخواص التربة الزراعية. وتلائم هذه الطريقة الدول النامية وبعض دول المنطقة العربية حيث تكون بقايا الطعام أكثر من نصف المخلفات الصلبة في المدن.

ولما كانت الأساليب المختلفة للتخلص من النفايات تستدعي يوماً بعد آخر زيادة النفقات عموماً، ولكل طريقة منها مشاكل فرعية كنقص المساحات اللازمة في طريقة الطمر الصحي، فلا بد من تخفيض كميات النفايات ليتم تخفيض النفقات للتخلص منها، ويتحقق هذا الأمر عن طريقتين: الأولى، الحفاظ على المواد والإقلال من الهدر وهذا يعني الإقلال قدر الإمكان من المواد التي يحتاج إليها المرء لإتمام واجبات واحتياجات حياته اليومية. والطريقة الثانية هي الفرز عن طريق إعادة الاستفادة من المواد الأولية للقمامة، وتتضمن هذه العملية جمع القمامة ومن ثم فصلها وفرزها لاستصلاح النفايات وإعادة الاستفادة من بعض موادها الأولية.

ويتم يومياً ترحيل ما يقارب 450 طناً من النفايات المنزلية بالإضافة إلى ما يقارب 300 طن من هدميات وأنقاض مباني ومخلفات الأشجار، وما ينتج من الحفريات لمد خدمات جديدة مثل: ماء، صرف صحي، كهرباء، تلفون أو إصلاح خدمات قائمة سابقاً في بيروت الادارية وحدها. واليوم نرى في شوارعنا المخلفات والنفايات التي تجاوزت كميتها 5,000 طن وهذا أمر مهول لا يمكن ان تتحمله بيروت عاصمة لبنان والتي تحوي أكثر من مليوني نسمة!!.

لذلك فإنه مطلوب اليوم ايجاد السبل المثلى للتخلص من هذه الآفة البيئية على النحو التالي:

1- تحويل النفايات إلى أسمدة عضوية: رغم أن هذه الطريقة نجدها غير مجدية اقتصادياً بسبب الكلفة العالية للتحويل بالإضافة إلى عدم التأكد من قوة مفعول السماد المنتج زراعياً في حال اختلط بمكونات أخرى بسبب رداءة الفرز, ولكن تبقى هذه الخطوة مهمة وسريعة للتدوير ومعالجة النفايات بصورة طارئة. وتوجد بالفعل مصانع لتحويل النفايات إلى أسمدة عضوية في معظم البلاد العربية، ويجد إنتاج الأسمدة سوق للتسويق يرد أقله الكلفة المستثمرة.

2- استعمال المراكز الصحية للتخلص من النفايات ( الطمر الصحي ): ويجب اختيار موقع الطمر الصحي بعناية فائقة مع مراعاة الضوابط والارشادات التي يجب أن تضعها الوزارات المختصة عبر الدليل الفني وضوابط الدفن الصحي للنفايات. وتعتبر هذه الطريقة هي الخيار المقبول والمطلوب في أنحاء العالم كافة للتخلص من النفايات ولأن الطمر لا يزال هو الخيار السائد عالمياً على الأقل في المدن التي تتوفر بها مساحات للطمر وتكون قريبة من المدينة لتوفير تكاليف النقل. لذلك على الدولة أن تجد أراضي مشاعاً لنقل هذه القمامة وطمرها في الأماكن المخصصة لها وبإشراف خبراء صحيين منعاً لإنبعاثات الغازات والسموم القاتلة. كما يمكن طمر تلك النفايات وحسب الأصول المتبعة في أماكن الكسارات التي استثمرت وكبدت الدولة من خلالها في دفع أكثر من 250 مليون دولار كتعويضات لمستثمرين عبر قرارات مجلس شورى الدولة نفسه.

أخيراً وليس آخراً ونظراً لأهمية الإدارة السليمة للنفايات، فإن وضع استراتيجية لإدارة النفايات يعتبر من أهم القضايا الملحة للمحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة. وهذه الاستراتيجية يجب أن تأخذ في الاعتبار عدد السكان ومستويات المعيشة ومدى التقدم الصناعي والتقني وما يستتبع ذلك من تنوع وازدياد في كميات النفايات ونوعياتها. هذا إلى جانب طبيعة المنطقة الجغرافية والظروف المناخية المحيطة بها والتخطيط المدني وتوزيع التجمعات السكانية فيها والخدمات والمرافق العامة بنشاطات السكان واقتصاديات البلد عموماً.

* خبير مالي ومحلل اقتصادي.

* دكتوراه في المالية الدولية.