المعروف عن اللبناني أنه قوي وناجح كفرد لكنه ضعيف وفاشل كمجموعة. لذلك شبّهه البعض بحبة الرمل التي تبقى منفردة ولا تلتصق بالأخرى، ولأنه هكذا فانه جعل من نفسه دولة عندما انهارت الدولة في حرب الـ75 فأمَّن لنفسه الماء والكهرباء والهاتف والعمل، في حين أن شعوباً أخرى اعتمدت على الدولة فقط ولم تعتمد على نفسها انهارت مع انيهار الدولة.
الواقع ان هذا يطرح اللامركزية الادارية الموسعة حلاً يخفف حمولة الدولة المركزية بعدما ناءت بأثقال موجباتها حيال كل المناطق، خصوصاً في مجالات التنمية والخدمات العامة. وقد ظهر فشلها الذريع في موضوع النفايات والكهرباء والماء، فيما ظهر نجاح الفرد في معالجة ذلك في غير منطقة. لذلك ينبغي تنفيذ اللامركزية الادارية بدءاً بالنفايات ثم بالكهرباء والماء، وأن تتقرر الشركة بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ المشاريع الانمائية لأنه لم يعد في قدرة الدولة المركزية ذلك لأسباب سياسية ومالية ومصلحية.
وأولى حسنات هذه الشركة هي في أنها تقضي على الفساد وعلى تقديم توظيف المحاسيب على حساب أصحاب الكفايات، وعلى تحميل كل قطاع أعداداً من الموظفين تفوق كثيراً الحاجة اليهم كما في معظم ادارات الدولة. فلو أن الدولة شعرت قبل الآن بعجزها عن توفير الخدمات لكل ابنائها، وتحقيق الانماء المتوازن، لكانت عمدت الى تطبيق اللامركزية التي نص عليها اتفاق الطائف من حين صدوره وإقراره، وقد نص على الآتي:
1 – الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية.
2 – توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع ادارات الدولة في المناطق الادارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.
3 – اعادة النظر في التقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني ضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات.
4 – اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة على مستوى الوحدات الادارية الصغرى (القضاء وما دون) من طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية.
5 – اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالامكانات المالية.
لقد مضى على اقرار اتفاق الطائف ما يقارب الـ25 سنة ولم توضع اللامركزية الادارية الموسعة موضع التنفيذ، ومضى على اقرار مشروع اللامركزية في مجلس الوزراء في نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان ما يقارب السنتين ولا يزال في الادراج. ومضت سنوات على مشروع الشركة بين القطاعين العام والخاص ولا يزال هو أيضاً في الادراج، ما جعل الازمات تنفجر دفعة واحدة: أزمة الكهرباء وأزمة النفايات وأزمة المياه، وقريباً تنفجر أزمة اجتماعية لأن العجز المتفاقم في الموازنة بجعلها غير قادرة على تنفيذ المشاريع الحيوية والانمائية التي تخلق فرص عمل للبنانيين وتحد من هجرتهم. وان ما جعل بعض السياسيين يذهب في مطالبه الى ما هو أبعد من اللامركزية، أي الفيديرالية، وقد أثار ذلك خلافاً بين اللبنانيين لا بل داخل الحزب الواحد والطائفة الواحدة، هو التلكؤ في تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف. لذلك ينبغي العمل منذ الآن على إقرار مشروع اللامركزية وبسرعة، وكذلك مشروع الشركة بين القطاعين العام والخاص لتخفيف حمولة الدولة المركزية قبل أن تسقط تحتها. وليبدأ تطبيق اللامركزية بالنفايات والكهرباء والماء تسهيلاً لمعاملات الناس وتأميناً لخدماتهم بحيث تتوسع الى اللامركزية المالية اذا اقتضى الأمر ونجح تطبيقها في مجالات أخرى لتصبح هي النظام الأفضل للبنان، وتمنع المتطرفين من الذهاب الى النظام الأسوأ، مع العلم أن القرارات التي تتخذها السلطة اللامركزية تبقى الموافقة على بعضها من صلاحية السلطة المركزية، بحيث يمكن القول إن الحدود بين اللامركزية الادارية والفيديرالية حدود متحركة وتتعلق بنوعية الصلاحيات التي تعطى للسلطات المحلية، فاذا اقتصرت على الشأن الانمائي فانها تبقى في حدود اللامركزية، اما اذا تجاوزتها الى الأمن والتربية والقضاء فتقترب من الفيديرالية التي تتجاوز إطار الدولة الواحدة الموحدة الى اطار الدويلات المستقلة التي لا ترتبط بالسلطة المركزية إلا بأمور محددة كالدفاع والسياسة الخارجية.
فلتسرع الدولة إذاً في اقرار مشروع اللامركزية للتخفيف من حمولة المركزية، وإقرار مشروع الشركة بين القطاعين العام والخاص للقضاء على الفساد والمحسوبيات كي يوضع لبنان على طريق النمو والازدهار.