أثارت الضربة العسكرية الغربية، الأميركية- البريطانية- الفرنسية، لمواقع عسكرية ومراكز بحثية للنظام السوري فجر 14/4/2018، ردود أفعال محلية وإقليمية ودولية متباينة. وقد اصطبغت غالبية ردود أفعال المعارضة السورية ومثقفيها وحواضنها الشعبية بالإحباط وخيبة الأمل كون الضربة لم تؤد إلى إضعاف النظام ولا إلى تغيير في ميزان القوى لمصلحتها.
فقد كانت ضربة محدودة في المدة الزمنية والأهداف التي قصفتها (قارن مثقف من المعارضة الضربة بالضربات التي وجهها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصربيا: 80 يوماً من القصف المتواصل لإسقاط الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش، وذلك للتعبير عن تطلعه لضربات مماثلة). وقد توزعت تعليقاتها بين اعتبار الضربة بلا فعالية عسكرية، وبين اعتبارها حاجة أميركية إلى حفظ ماء وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد رفعه سقف التهديدات في وجه روسيا، ذكر الرئيس الروسي بالاسم، كثيراً، وبين ربط محدوديتها بالسعي إلى تجنّب مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران، بل وذهب بعضها إلى اعتبار النظام الرابح الأساسي من هذه العملية، «حيث منحته الضربة رصيداً شعبياً داخل سورية وخارجها»، وفق تقدير موقف لمركز «جسور للدراسات» نشره يوم 17/4/2018، تحت عنوان «الضربة العسكرية الثلاثية على سورية: الدلالات والآثار»، قلة من المعارضين السوريين نجحت في إدراك طبيعة الضربة وأهدافها باعتبارها رسالة سياسية أولاً وأخيراً. لم يكن هذا حال المعارضة السورية ومثقفيها وحواضنها الشعبية وحدها، بل حال دول عربية ووسائل إعلامها المرئية والمقروءة والمسموعة التي تبنت تقديراً يشكك في جدية العملية وأهدافها ومراميها.
لم يكن هدف الضربة عسكرياً بالمطلق، فقد خُطط لها ونُفذت بعد الإعلان عن القرار بشنها بأيام، ما سمح للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين بأخذ احتياطاتهم لتلافي القصف وتجنب آثار الضربة المباشرة، ما يعني أن هدفها لم يكن تحقيق مكاسب عسكرية بل استثمار حدث عسكري للإعلان عن «نقطة نظام» على سياق سياسي مرتبط بالحل في سورية خطته روسيا مع تركيا وإيران في الأستانة وسوتشي، وهذا ما أكده التحرك الدبلوماسي الغربي في الأمم المتحدة، بعد ساعات على الضربة، عبر طرح مشروع قرار في مجلس الأمن حول صيغة للحل قائمة على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة القرارات 2118 و2254 و2401، التي تتناول السلاح الكيماوي والحل السياسي ووقف النار والجوانب الإنسانية، والتمسك بمسار جنيف مساراً وحيداً للتفاوض، إذ لو كان هدف الضربة تحقيق إنجاز عسكري ما كان حوّلها أصحابها إلى سر معلن، كما أن إلحاق خسائر كبيرة ومباشرة بالنظام وحلفائه يجعل جلوسهم إلى طاولة التفاوض مستحيلاً لأنه سيضعهم في موقع المهزوم والمستسلم، وهذا ليس بالتصرف المنطقي المتسق مع خطوة هدفها تصحيح المسار السياسي وتنفيذ حل بالتوافق. تقدير أكده كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حين قال: «إن بلاده مستمرة في العمل من أجل حل سياسي يشمل الجميع في سورية، من خلال التحدث إلى جميع الأطراف، روسيا وتركيا وإيران والنظام وجميع قوى المعارضة، من أجل بناء سورية الغد وإصلاح هذا البلد». وتأكيد وزير خارجيته جان إيف لودريان لذلك في مقابلة مع صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» الأسبوعية بقوله: «إن تدرك روسيا أنه بعد الرد العسكري (…)، علينا أن نضم جهودنا للدفع في اتجاه عملية سياسية في سورية تسمح بإيجاد مخرج للأزمة». وما أكده وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس خلال مؤتمر صحافي في برلين، مع وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بقوله: «علينا أن نستغل هذه اللحظة لتحريك العملية السياسية مجدداً. نحتاج إلى روسيا أيضاً في هذا الحوار».
أرادت الدول الثلاث إعادة روسيا إلى جادة الصواب عبر مواجهة فشلها في فرض الحل السياسي الذي تتصوره من خلال مسلسل آستانة وسوتشي، وانه لا يمكن القفز على الدور الغربي بشكل عام والأميركي بشكل خاص، وأن الدول الثلاث قادرة على قلب الطاولة، بدليل الحشد العسكري الضخم الذي نجحت في تنفيذه في البحر الأبيض المتوسط في فترة زمنية قياسية، والضربة التي نفذتها ضد مواقع النظام السوري وكشفت بها عجز آلة الحرب الروسية من منعها أو التصدي لها، هزت الضربة صورة روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين (اعتبرها السفير الروسي لدى الولايات المتحدة إهانة لبوتين) وأفقدتها جـزءاً مهماً مـن رصيـدها الدولي، كما حطت مـن شـأن سـلاحـها، وهـددت «وحـدة» ثــلاثـي آستانة.
لكن الدول الثلاث لا تريد تكرار خطأ روسيا بالعمل على حل منفرد لا يأخذ مصالح كل الفاعلين في الملف السوري في الاعتبار، وها هي تدعو إلى حل توافقي بالاستناد إلى قرارات دولية صوتت عليها دول مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا ذاتها.
لم تبد روسيا استعداداً لقبول الدعوة الغربية إلى حل قائم على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، فقد أعلن سفيرها في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عن عدم استعداد بلاده التحاور مع الغرب حول سورية بعد الضربات العسكرية، معتبراً أن جهود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الأمم المتحدة لبدء تحقيق جديد في الأسلحة الكيماوية في سورية، وإنعاش محادثات السلام «تأتي في غير وقتها»، ودعت، في الوقت ذاته، واشنطن إلى حوار استراتيجي لحل الملفات العالقة بينهما من سورية إلى أوكرانيا، لكن واشنطن رفضت العرض وذكّرت روسيا بواقعها السياسي (عزلة دولية، بخاصة في مجلس الأمن) والاقتصادي (عجز اقتصادي عكسه انهيار سعر صرف الروبل (الدولار بـ 60 روبلاً)، واستعدادها لمساعدتها في مواجهة أزمتها الاقتصادية في حال غيرت نهجها السياسي) وضعفها التقني (40 في المئة من مكونات الأسلحة الروسية مستوردة من الغرب).
وهذا مع بقاء الحشد العسكري الغربي الضخم شرق المتوسط ينذر بمخاطر جمة على الشعب السوري الذي سيدفع ثمن المواجهة على أرضه إن وقعت.