IMLebanon

وكان حوار

أزاح الفجر وشاح الليل وألقى عليه سلاماً أزرق، وكان حوار. سوف افتح الفضاء للشمس، قال، وانسحب الليل بقمره ونجومه. ثم مرّ بنافذتي عصفور أصفر يغرّد رقصة الارض والشمس، فاذا الحوار ملح الارض. وعرف الانسان ان احياناً للحوار صوتا، وأخذه الصوت بعيداً من الكلمة التي كانت في البدء مصدر كل الوجود. وجود على نماء دائم، قدره التطور الحتمي على رغم ازمنة تراجع وانحلال يستثنى منها من يستحق العبور الى تطور أكبر.

وكانت الاساطير التي أغنت الفكر البشري على امتداد شرق أقصى الى اليونان الى شاطئ كنعاني ثم بابل ومصر. وكانت الاديان التي اخذت الفكر البشري الى “سماء” أبعدته عن حوار ازلي شمل كل مظاهر الوجود حتى آخر حبة رمل تهمس أسرار اليابسة لزبد البحر، فحصر تواصله داخل طقوس ظاناً انه يشتري بها حماية خالق طالما وظّفه في خدمة مصالحه وأطماعه وعدائه لكل من يحسبه عدواً.

وتوقف الانسان عن سماع الحوار العفوي بين عناصر الوجود، ودخل الحياة من باب الاستئثار والطمع، وأدخل الى عالمه ظاهرة “السلاح” الداعم للقوة، وكانت الجيوش، وكانت الحروب، وكان الدمار حتى بلغ العقل البشري مرحلة الإمساك بأسرار “الذرة” التي لخّصت وجه الحياة الواحد الحامل تناقض الدمار والبناء.

وهبت الشعوب في سباق إلى امتلاك هذه الأسرار، والقوي يعاقب الضعيف على طموحه: فالغرب يعاقب ايران مثلاً على ارادتها تطوير “حوارها” مع الذرّة. وإيران تفرض في الوقت نفسه عقاباً على صبية إيرانية بسجنها لسنة كاملة لأنها تجرأت وأرادت مشاهدة مباراة في الكرة الطائرة! وتحكم بالإعدام على صبية أخرى أردت ضابط استخبارات اغتصبها وما ردعه ضمير.

من قال إن في حوار الطرشان حلاً لارهاب بشري يفتك اليوم بالانسان العربي وسينتقل إلى غيره؟ وكيف لحوار أديان أن ينقذ من ارهاب مصدره الاديان وتنافر المذاهب والقاتل والمقتول يجمعهما دين واحد، علماً أن معظم الأديان تفككت مع الزمن إلى مذاهب وملل كثيرة ساهمت في إيجاد عداء بين البشر، يستفيق مدمراً في أزمنة انحطاط تظل فيها المرأة، التي تشكل نصف المجتمع البشري، الضحية الأولى لاستبداد رجل بلا أفق روحي.

ما من حل في مطلق حوار لا ديني ولا مذهبي ولا علماني ولا عنصري ولا سياسي. الحل في تفتح وعي داخلي جديد يستوعب حقيقة وحدة وجود ووحدة مصدر. وقد بدأ ينهار اليوم نمط حياة قديم يقوم على جبروت رجل يمسك بزمام كوكب يسير به من دمار إلى دمار، غير مبال ولا مدرك لمقام “المرأة”، أم الوجود، التي باستطاعتها وحدها منع تفكك المجتمعات البشرية داخل تركيبة الحياة وسلاحها “الحب” الذي يوحّد ذرات الوجود بكل مظاهره.