في ظل السعي الدولي والإقليمي إلى حدّ ما، إلى وضع حدّ للحرب السورية القائمة منذ العام 2011 على قواعد وشروط متنوّعة، أو أقله تعهّد كل الأطراف المعنية بالأزمة العمل لإنضاج مجموعة حلول للوصول إلى الهدف نفسه، ثمة سعيٌ آخر يخوضه «حزب الله» اليوم يتمثّل في إقناع جمهوره وتحديداً اهالي عناصره الذين سقطوا أو جُرحوا، منذ تدخله في هذه الحرب، بأن ما قام به هو «الصواب» بعينه وأن جميع الأسباب التي دعته إلى التضحية بهذا الكم الكبير من الخسائر البشرية، كانت لها مُسبّبات في طليعتها حماية اللبنانيين عموماً، والشيعة خصوصاً كونهم المعنيين بشكل أساسي بهذه الحرب لأسباب مذهبيّة وجغرافيّة، بحسب ما يُصرّ الحزب على إشاعته حتّى اليوم بين جمهوره.
لم تكن الأسباب الدينية ولا الإنسانية ولا حتّى العقائدية، هي التي دعت «حزب الله» إلى التدخل في الحرب في سوريا، بل كان الأمر، مُجرّد أمر صدر عن «الولي الفقيه» قضى بضرورة الوقوف إلى جانب نظام بشّار الأسد والدفاع عنه وعن حكمه، حتّى ولو كلّف الأمر «التضحية بثلثي الطائفة الشيعية» في لبنان، تحت إدعاء أو حجّة، أن يتمكّن الثلث المُبقّي، من العيش بـ «حرية وكرامة». لكن في المفهوم الإيراني العام للحروب في المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص، ثمة قراءة خاصة تقوم على سياسة التوسّع في المنطقة ووضع أرجل أو أذرع فيها تقوم عنها بما يلزم من أجل تثبيت وترسيخ قواعد مُتقدمة، للتفاوض عليها في مراحل سابقة. وما وجود الحزب اليوم في «القلمون» و»دمشق» و»الزبداني» و»مضايا»، وغيرها من المناطق الحدودية أهمّها «القصير»، إلا مدماكاً لهذا الوجود الذي جعل من إيران طرفاً أساسياً على طاولات المفاوضات الدولية والإقليمية، ولو على حساب دماء أبناء الطائفة الشيعية في لبنان.
ضمن سياسات التبرير للغرق والإستنزاف الحاصل في سوريا والإستمرار على ما هو عليه من قتل وتشريد، يقول عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق «إن الواجب الوطني والأخلاقي الذي فرض علينا أن نتدخل في سوريا لمواجهة الخطر التكفيري، يفرض علينا أن نكمل المعركة، وألا نخذل أهلنا أو نتخلى عن واجبنا. وأن الحزب هو في موقع أداء الواجب والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية في حماية الوطن واللبنانيين». وهذا الكلام هو جزء من عبثيّة «حزب الله» القائمة على إقناع المُحيط بصوابية أفعاله، حتى لو بدا الأمر مُغايراً تماماً وبشكل واضح، للإدعاءات التي يقوم بترويجها والتي يسعى في معظمها، إلى تحويل الباطل إلى حق، والحق إلى باطل، فقط من أجل تبرير سقوط ما لا يقل عن ألفي عنصر قتلى وأكثر منهم جرحى، في سبيل تحقيق مشاريع إيرانية، لن تُثمر في الجنوب ولن تُقطف في البقاع، ولن ينعم بمحصولها في الضاحية الجنوبية.
الإستنزاف لم يقتصر طيلة فترة وجود «حزب الله» في سوريا حتى الساعة، على عناصره فقط، بل طال كوادر وقادة كباراً لطالما كان الإتكال عليهم في الحروب ضد اسرائيل. أمّا آخر هذه الضربات في صفوف القادة، فكانت خسارة الحزب أمس الأول القائد العسكري خليل المرجي المعروف بـ «عميد الجنوب»، الذي سقط في منطقة المنشية في درعا، وهو من سكّان بصرى الشام وقائد قوات الحزب في درعا.
يُهوّل «حزب الله» على أبناء بيئته من خلال وجودهم ضمن مناطق يُسميها بـ «الساخنة»، ودائماً يكون السلاح وحده الحامي لهذا الوجود وصموده. في الجنوب ثمة عدو إسرائيلي يسعى إلى احتلاله، لكن وحده سلاح الحزب الذي يمنع هذا المُخطّط. في البقاع ثمة «تكفيريون» يريدون قتل الشيعة وذبحهم، لكن وحده سلاح الحزب الذي يمنع تحقيق هذا المشروع. لكن حتّى اليوم، لم يقم «حزب الله» بجردة فعلية وعلنية أمام من يدّعي حمايتهم، يُعلن فيها حجم الخسائر البشرية الحقيقية التي تكبدها منذ انزلاقه في الحرب السوريّة، ومنذ أن شيطن شعباً، يشهد العالم أجمع، أنه ضحيّة نظام مأجور مدعوم بأنظمة أشد منه بطشاً وقتلاً وتنكيلاً.
من ضمن مخططاته القائمة، يحاول «حزب الله» ربط الأزمة السورية بالأزمات الحاصلة في المنطقة وفرض نفسه كجزء أساسي من الحل، وإلّا فالمنطقة برُمّتها ذاهبة إلى خراب لا ينفك عن تحميل تبعاته لدول ليست إيران ولا نظام الأسد من بينها. ومن بين اللغة السائدة في أوساط الحزب، يظهر كلام لنائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، يقول فيه إن الأزمة السورية ليست مختصة بسوريا وإنما هي مدخل لإيجاد أزمات في كل المنطقة من أجل تغيير الأنظمة والتوجهات، لتكون المنطقة بأسرها وكل بلدانها وشعوبها في خدمة أميركا وإسرائيل». لكن لا قاسم ولا غيره من قيادات الحزب، أتى حتى اليوم على ذكر استدراج الشباب إلى الموت بالتدرّج، تحت حجج متعددة ومتنوّعة، تصل في بعض جوانبها، إلى حد التباهي بـ «إنجازات» وهميّة، والتباكي على مجازر هو أحد أبرز حلفاء صُنّاعها والمشاركة فيها في أكثر من مكان، سواء بشكل مُباشر في «مضايا» و»الزبداني»، أو غير مباشر من خلال حصاره لقرى وبلدات، ومنع أهلها من الحصول على الدواء والغذاء.
وفي سياق التبعية التي تتعاطى بها ايران مع «حزب الله» والإستهتار بدماء عناصره، أفاد معهد «واشنطن» في تقرير أمس، عن «وجود خلافات بين حزب الله والحرس الثوري، وأنّ الحزب يحمّل قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني مسؤولية تدهور العلاقات»، موضحاً أنّ «هناك غطرسة فارسية في التعامل مع العرب الشيعة، وأنّ سليماني على استعداد للتضحية بمقاتلي حزب الله وجميع الشيعة في سبيل حماية الإيرانيين». ومن جملة ما أورده التقرير لجهة إساءة العلاقة بين الطرفين أقله بين الجهات الفاعلة في الميدان، أنّ سليماني قد قطع الرواتب عن حزب الله بعد توقفه عن إرسال مقاتليه إلى حلب، وأن هذا الإجراء استمر مدة ثلاثة شهور ممّا أجبر الحزب على الرضوخ لمطالبه».