لم تستطع المملكة العربية السعودية أن “تهضم” سيطرة إيران على اليمن المجاور لها قبل أشهر كثيرة، بعد سيطرة حلفائها الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح عليه، في أعقاب ثورة شعبية بدأت في صعدة ووصلت إلى اليمن ثم إلى الجنوب بمساعدة الجيش اليمني الذي بقي بأكثريته موالياً لصالح. ذلك أنها رأت في هذا الانتصار استمراراً لمشروع السيطرة على الخليج العربي، واستطراداً على المنطقة الذي بدأته منذ سنوات طويلة، والذي تسبَّب في حروب وثورات وفتن مذهبية لا تزال مشتعلة إلى الآن، ولا شيء يمنع تمدّدها إلى دول أخرى قد تكون هي إحداها. لذلك شنّت على إيران فيه حملة عسكرية جوية وصاروخية يومية قاسية جداً. وبادرت إلى تجنيد القبائل الموالية والفرق المؤيدة لها في الجيش والحركات الحزبية القومية والإسلامية القريبة منها او بالأحرى البعيدة من إيران ومدَّتها بكل ما تحتاج إليه من سلاح وذخيرة وتدريب ومال. والهدف كان قيام هؤلاء بوصفهم جنود الشرعية اليمنية باستعادة اليمن من محتليه وإعادة الشرعية اليه. وقامت بخطوة ثالثة هي الاستعانة بقوات جوّية وبرّية إماراتية وبحرية مصرية وبرّية سودانية من أجل مساعدة ثوار الداخل الشرعيين ومنع إمداد المتمرِّدين بالأسلحة والذخائر من طريق البحر، وكذلك من أجل حماية المضائق ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة في المنطقة ومنع تسلّل ايران اليها. لكن الحملة العسكرية هذه لم تستطع أن تحقق الأهداف التي وُضِعت لها منذ بدئها. فالتفوّق العسكري الجوّي قتل وجرح مدنيين وعسكريين ودمّر منشآت مدنية وأخرى عسكرية مهمة، وأعاق حصول “مغتصبي الشرعية” على الأسلحة اللازمة. لكن شبه غياب القوات البرية النظامية العربية (من سعودية وغيرها) عطّل الافادة من التفوّق المذكور. وحاولت المملكة أو الذين يقودون “حملة العزم” فيها تعويض ذلك بتكوين جيش من بقايا جيش صالح وبتأطير ثوار شعبيين من القبائل وبالتعاون مع حركات إسلامية تمتلك خبرة قتالية معيّنة. على رغم ذلك لم تتمكن وبعد أشهر طويلة إلا من استعادة عدن عاصمة “اليمن الجنوبي” وعدد من محافظاته. وتحاول قوات الحوثيّين وصالح العودة إلى هذه المنطقة وقد حقّقت بعض نجاح وإن غير نهائي على هذا الصعيد. أما المملكة وقوات “الشرعية اليمنية” فقد وعدت باستعادة صنعاء العاصمة قريباً. لكنها عجزت عن ذلك حتى الآن على الأقل وهي لا تزال تقاتل في تعز.
ماذا يعني ذلك؟ وهل يمكن أن تخسر المملكة في اليمن أو أن تربحه ايران في صورة نهائية؟
يجيب مناوئون للسعودية بأن الحوثيين وصالح أخطأوا في أمور عدة كان أهمها احتلالهم الجنوب بعدما استتب لهم الأمر في صنعاء والشمال كله. فالمسافة بين الاثنين تبلغ نحو 300 كيلومتر، وتحتاج السيطرة عليها إلى إمكانات لوجستية وتنظيمية وتموينية وقوات جوية وكل ذلك غير متوافر عندهم. ويجيبون أيضاً بأن السعودية أخطأت عندما ظنَّت أنها ربحت، وقد تبيّن لها ذلك لاحقاً. لكن الحوثيّين طمأنوا حلفاءهم الخارجيين وطلبوا منهم عدم الخوف لأنهم يمتلكون أوراقاً كثيرة لم يستعملوها بعد، ولأن المساعدات التي كانت تقلَّصت عادت تتدفّق عليهم من أكثر من “مِرفق”. فضلاً عن أنهم عادوا إلى بعض الجنوب. ويقول بعض من هؤلاء، ويبدو أكثر تطرفاً من الآخرين، أن “الشرعية اليمنية” تحتل عدن وشريط حولها من عشرة كيلومترات، وأنها غير مسيطرة على أمنها. كما ان “القاعدة” موجود في مناطق جنوبية أخرى ومسيطر على بعضها. في اختصار، يتابع هؤلاء، لن ينتصر الحوثيون وصالح في اليمن. ولن ينتصر السعوديون على الأقل في المستقبل المنظور. فالحرب ستستمر وستؤدي إلى عودة اليمن إلى زمن التقسيم، كما ستُستنزف السعودية إلى أبعد الحدود. والعرب الذين يقفون مع السعودية في حربها هذه فإنهم يفضلون لو أنها لم تقع. أما داخل المملكة ولا سيما العائلة المالكة صاحبة القرار فيبدو، واستناداً إلى المناوئين لها والمحايدين من عرب وغير عرب، أن هناك تبايناً داخلها في النظر إلى الحرب في اليمن أو عليه. فولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو أيضاً وزير للدفاع يشعر بالفخر لأداء الجيش الذي يشرف عليه. ويبدو متأكداً من استعادة اليمن من إيران. أما ولي العهد الأمير محمد بن نايف فيتساءل “عن كلفة هذه الحرب وعن الخطر الذي تشكّله أو ستشكّله على أمن المملكة وعلى ماليتها العامة”.