لا يزال كلام الرئيس الإيطالي لأبناء شعبه يوم اشتدت جائحة كورونا على ايطاليا قبل عشرة أشهر يرنّ في الآذان: “الإيطاليون دفعوا الكثير لأجل وطنهم ودولتهم، وحان وقت عكس الآية ورد الجميل”.
فكانَ إقفالٌ عامٌ وضعَ حداً لـ”السيناريو الايطالي” الذي ذهب مثلاً حين اضطرت المستشفيات الى اصطفاء المصابين في خطوة غير أخلاقية فرضتها ضرورات تبيح محظورات. وكانت تعويضاتٌ للمتضررين وللأكثر هشاشة والمحتاجين.
لا نريد إسقاط التجربة الايطالية على ورطتنا. فلا رئيسنا سرجيو ماتاريلا، ولا لبنان يملك قدرات ايطاليا، ولا شعبنا سلَّف دولته سلطة محترمة وما يمكن أن ترده له في حالك الأيام. لكننا نسأل: أين اصحاب الثروات الطائلة والملايين الكثيرة لا يقومون بواجبهم الوطني والانساني؟
نقرأ باحترام يومياً عن اندفاع أثرياء صناعيين وتجار ورجال أعمال وفنانين وأصحاب مدخرات ضخمة او متواضعة في العالم. فهذا يدفع نقداً ويساهم بمستشفى أو بأجهزة تنفس، وذاك يتبرّع بمستلزمات طبية او مواد غذائية أو يضع مساهمته في عهدة الدولة لثقته بأنها ستستخدم في مكانها المرتجى، الا عندنا فإن هذا النوع من المساهمات بقي على أضيق نطاق رغم ان بعض المحسنين رفض الظهور في الاعلام وأن تعرف يسراه ما فعلت يمناه. أما غالبية “الفئة الناجية” من احتجاز الودائع والتي غرفت من ثغرات النظام فأدارت ظهرها وامتدحت قدرتها على تحويل أموالها.
فشِلنا في مواجهة الجائحة. وصلنا الى “السيناريو الايطالي” مع أنه كان ماثلاً أمام أعيننا. لا المستشفيات تجهزت ولا الخطة كانت مناسبة. تُرك الحبل على غاربه للرحلات الجوية مع بدء الاصابات وأُفلت “الملق” لأصحاب المطاعم والحانات في الأعياد، فيما الحكومة مستقيلة ووزير الصحة يعتقد نفسه “سوبرمان” ونزعة التحاصص المشينة تمنع قيام حكومة جديدة تخاطب العالم والمانحين وتتولى معالجة الشأن العام.
نتفق على انقطاع الأمل من منظومة سافلة رهنت لبنان لحسابات الخارج ولأطماعها وأوصلت البلاد الى الافلاس بفعل التواطؤ بين السلطة السياسية والمصارف ومصرف لبنان. وإذا كان المنطق والعدل يقتضيان أن يزج بكل هؤلاء في السجن، وهو ما لا يبدو في متناول العدالة والشعب بسبب صلابة تحالف الميليشيا والمافيا، فإننا نسأل على الأقل عن الأثرياء الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال وكل الذين استفادوا عن حق أو غير حق من تركيبة “قوننت” الربح الحرام وأتاحت الإثراء غير المشروع او المحمي بقوانين لا تراعي الا مصلحة أقلية من الناس.
أتى زمن اختبار الأخلاق إن لم يكن قد حلَّ وقت الحساب. جائحة كورونا يجب ان تستنهض الخير في دواخل الناس. فلا ينسى كثيرون أنهم ربحوا وأثروا من خيرات هذه البلاد بمناقصات وصفقات معظمها مشبوه، أو من غياب ضرائب تصاعدية هي شرط ضروري للتكافل الاجتماعي وتمكين الدولة.
أسوأ ما يمكن ان يحصل بعد الانتهاء من أزمة كورونا هو ألا نستفيد من الدرس المؤلم. فتبقى المنظومة متحكمة برقابنا بدل ان ترحل لنعيد تكوين سلطة تحيي دور الدولة وتعرِّف مهمات القطاع العام محوِّلة حرية القطاع الخاص الى مسؤولية وإبداع بدل عشوائية وفلتان. حينها تواجه الدولة القادرة الملمات باسم الواجب والقانون، ويبقى أهل الخير والأخلاق، مهما قلّوا، سنداً وذخراً في أي حال.