تكثر الأخبار عن المدى الذي وصلت إليه المبادرة الأميركية للجم التوتّر جنوباً ووقف الاعتداءات المتبادلة. وتعمل واشنطن على تأمين أكبر قدر من الغطاء لأي تسوية حدودية مرتقبة. وإذا كانت فرنسا تدخل على خطّ الوساطات مباشرةً، فقد برز دخول إيطالي لمحاولة تخفيف حدّة التوتّر.
زار وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبنان وتحدّث عن النقاط الأساسية المتعلقة بالوساطة بين إسرائيل و»حزب الله» والأزمة الرئاسية، وتنسّق فرنسا خطواتها مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا.
لكن اللافت هو الدخول الإيطالي وتناول الملف اللبناني، فبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، كلّفت الدول الأوروبية ومن ضمنها إيطاليا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متابعة الأزمة اللبنانية، واقتصر دور روما وبقية العواصم الأوروبية على تقديم المساعدات والإعانات.
تُعتبر إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية معاناة من اللااستقرار السياسي، وتتفرّغ لمشكلاتها الداخلية ولا تطمح إلى توسيع دائرة نفوذها. أما التبدّل الذي حصل فيتمثّل بوجود روما من ضمن العواصم الأوروبية الأربع التي ستوافق على البيان المشترك الذي تنوي واشنطن إصداره إذا تمّ الإتفاق على حلّ لجبهة الجنوب بين لبنان وإسرائيل، أي سيصدر البيان بتوقيع كل من واشنطن ولندن وبرلين وروما وباريس.
يحتاج صدور البيان إلى إنضاج التسوية السياسية- الأمنية التي ترعاها واشنطن، ويشكّل الدخول الإيطالي بارقة أمل للبنان، إذ يكرّس وجود مظلة أوروبية وغربية تحمي البلد. وتكشف مصادر مطلعة عن كيفية الدخول الإيطالي على خط جبهة الجنوب بعدما كانت الأمور محصورة بواشنطن ولندن وباريس.
وفي المعلومات، تُعبّر روما عن اهتمامها بالشأن اللبناني منذ مدّة، لكن الاهتمام لم يتطوّر إلى دخول في التفاصيل اللبنانية مثلما تفعل فرنسا. وكانت العاصمة الإيطالية استضافت في آذار 2018 مؤتمر روما لدعم الجيش والقوى العسكرية اللبنانية، وتابعت نشاطها بتقديم هبات ومساعدات للجيش لمواجهة الأزمة.
ويأتي السبب الأهم للدخول الإيطالي على خطّ حرب الجنوب، هو وجود 1041 جندياً إيطالياً ضمن قوات «اليونيفيل» المنتشرة في الجنوب، وتولّت إيطاليا قيادة «اليونيفيل» مراراً، وتعتبر من أكثر البلدان مساهمةً في قوات حفظ السلام الدولية.
ويدفع الوجود الكبير للجنود الإيطاليين في الجنوب الدولة الإيطالية إلى التحرّك السريع للجم التوتّر، فالحرب ستأتي بنتائج مدمّرة على لبنان وسيصيب الأذى القوات الإيطالية المنتشرة هناك. ويدخل المعطى العسكري كسبب رئيسي للدخول الإيطالي، لكن، هناك أسباب أخرى دفعت روما إلى التحرّك، فأي حرب في لبنان ستؤدّي إلى الفوضى، عندها ستصبح شواطئ لبنان مصدراً للقلق مع ضعف الدولة وتدفّق النازحين السوريين إلى أوروبا.
أما السبب الآخر للتحرّك الإيطالي فهو إصرار الفاتيكان على حماية لبنان ومنع انزلاقه نحو الحرب، ويظهر هذا الأمر بوضوح من خلال تصريحات البابا فرنسيس وكبار المسؤولين في الكرسي الرسولي. وتعمل الحكومة الإيطالية وفق تمنيات البابا، وحصل تواصل بين الكرسي الرسولي والحكومة الإيطالية والفرنسية وعدد من العواصم الأوروبية، وكان هناك إصرار فاتيكاني على عدم ترك لبنان وحيداً ومنع تمدّد الحرب إليه، لأنّ أي مواجهات أو توسّع لرقعة الحرب تعني ضرب الكيان اللبناني، وهذا الأمر لن يسمح به الكرسي الرسولي.
ونتيجة العوامل العسكرية المقلقة في الجنوب، وخطر الفوضى في لبنان والتخوّف على قوات «اليونيفيل»، وتمنيات الفاتيكان، دخلت روما إلى عمق الأزمة اللبنانية، فالتكليف الأوروبي للفرنسيين بحصر الملف اللبناني بهم انتهى، خصوصاً بعد دخول باريس بصفقة انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في وقت سابق، وبالتالي تتعامل الدول الأوروبية بجديّة مع الملف اللبناني، وترغب في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد لجم التوتر في الجنوب وإبرام التسوية الأميركية المرتقبة.