IMLebanon

إنّها حرب طويلة تستَنزِف المنطقة

على رغم أنّ قرار مجلس النواب التركي إجازة التدخّل العسكري لحكومة بلاده في سوريا والعراق كان متوقّعاً، فإنّ ما هو خارج التوقعات حتى الآن هو حجم هذا التدخّل وأهدافه الحقيقية ومدى انسجامه مع أهداف التحالف الذي تقوده واشنطن ضد «داعش»، وكيف سيتعامل جيران تركيا في موسكو وطهران معه.

بعض السياسيين المتابعين يعتقدون انّ الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان أراد من خلال هذا القرار الردّ على الضغط الاميركي عليه، والذي تجَلّى خصوصاً بامتناع الرئيس باراك أوباما عن استقباله في نيويورك أخيراً.

أردوغان أراد القول لأوباما: «اذا أردتني أن أشارك في التحالف، فأنا لي طريقتي الخاصة في المشاركة، وهي التدخّل المباشر والأرضِيّ الذي يستطيع وحده تطهير الأرض السورية والعراقية من تنظيمات كـ»داعش» وأخواتها، فيما لن تستطيع كلّ ضرباتكم الجوية إلّا أن تؤلّب الرأي العام العربي والاسلامي ضدكم ولمصلحة داعش».

وبعض المراقبين يعتقدون، من جهة ثانية، أنّ اردوغان جَادّ في تدَخّله، فمطامعه في شمال سوريا وشمال العراق معروفة، وهو كان قد وَفّر أكثر من 4000 آلية عسكرية لتنظيم «داعش» لكي يَسهُل له اجتياحه في البلدين العربيّين، فيكون ذاك الاجتياح مبرّراً لدخول تركي ولوَضع اليد على منطقتين غنيتين بالنفط وغنيتين أيضاً بمطامح كردية الى إنشاء دولة كردستان الكبرى التي تطمح الى ضَمّ جزء كبير من تركيا إليها، وهو ما لا يمكن لحكومة أردوغان القبول به.

وبعض المراقبين الأكثر تفاؤلاً يقولون انّ اردوغان قد رَضخ للضغط الاميركي، وانّ خطواته العسكرية لن تخرج عن الحدود المرسومة لها في مخططات واشنطن، وانّ ما قاله عن إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد لا يعدو كونه تمَسّكاً بموقفٍ «مبدئي» سابق له، وإلّا اعتُبِر تراجعه امام ضغوط واشنطن تراجعاً كاملاً.

فأردوغان في مأزق حقيقي، لأنه لا يستطيع عصيان أوامر واشنطن بعدم الانخراط في التحالف، وهو في الوقت نفسه يخشى من انعكاسات هذا التورّط في حرب برّية تكون بمثابة كارثة على تركيا وإجهازٍ على كلّ إنجازات حكومة حزب «العدالة والتنمية».

ويقول هؤلاء المراقبون إنّ أردوغان لا يحتسب فقط نتائج تورّطه في الحرب على «داعش» والدخول الى سوريا والعراق من زاوية ما تستطيع «داعش» أن تفعله داخل تركيا فحسب، بل هو يحتسِب حسابات أخرى، فهو سيجِد نفسه في مواجهة مباشرة مع الدولة السورية التي أعلنت أمس انها تعتبر أيّ تدخّل تركي من بلادها «عدواناً موصوفاً».

كذلك يدرك اردوغان انّ حربه في سوريا ستجعله في مواجهة مع مقاومة شعبيّة سوريّة ـ لبنانيّة ـ عراقيّة وعربيّة ـ كرديّة تشنّ ضدّ جيشه حرب العصابات بحيث تُلحِق به أذى كبيراً.

طبعاً، يدرك اردوغان المخاطر التي يمكن أن تنشأ على الجبهتين الايرانية ـ التركية والروسية ـ التركية، وحتى داخل البحر الابيض المتوسط، حيث لا تبعد أساطيل موسكو عن المياه التركية سوى أقلّ من 200 كلم.

ويضيف المراقبون أنفسهم أنّ اردوغان يعرف أيضاً أنّ قراراً بإرسال قوات تركية الى اراضي دولتين مستقلتين، وبلا قرار دولي، يعتبر انتهاكاً صريحاً لميثاق الامم المتحدة وكل القرارات الدولية، ويضع تركيا في مواجهة حادّة مع المجتمع الدولي، خصوصاً اذا تذكّرنا علاقة تركيا السيّئة أساساً بالاتّحاد الاوروبّي.

ومن هنا، فإنّ هؤلاء المراقبين يعتقدون أنّ أردوغان، مهما بلغ به الإحساس بالقوّة، يعرف تماماً القاعدة المعمول بها دولياً، وهي انه «إذا دَعتك قدرتك الى احتلال بلد آخر، فتذكّر قدرة العالم عليك»، وهي معادلة أودَت بكثير من الحكّام الأقوياء، كان آخرهم الرئيس العراقي صدام حسين الذي ظنّ أنه بعد حربه ضد إيران باتَ قادراً على احتلال الكويت.

المأزق التركي، على كلّ حال، ليس أكبر من المأزق الأميركي نفسه، فكثير من التعليقات وتقارير مراكز الابحاث الاميركية يشير الى عُقم الضربات الاميركية الجوية ومعها ضربات حلفائها في التخلّص من «داعش»، بل انّ بعض هؤلاء المعلّقين يقول إنّ واشنطن إذا أرادت فعلاً التخَلّص من «داعش» وأخواتها فإنّ الطريق الأسلَم والأفعل على كلّ المستويات يكمُن في الضغط لوَقف كل مصادر دعم المسلّحين في البلدين الشقيقين، وإفساح المجال للجيشَين السوري والعراقي أن يَتولّيا مهمة تطهير الأرض من المقاتلين المتشددين.

ولكن يبقى السؤال: هل تريد واشنطن فعلاً التخلّص من الارهاب في سوريا والعراق والمنطقة؟ أم أنّها تريد إطالة الحرب معه وبه ليُصار الى تدمير البلدَين وصولاً الى تدمير مصر وليبيا وابتزاز مالي دائم لدوَل الجزيرة والخليج؟

إنّها حرب استنزاف طويلة تُستَنزَف فيها موارد المنطقة كلها، وإلّا كيف يسمح التحالف لمسلحي «داعش» بأن يحاصروا بلدة عين عرب الكردية (كوباني) ويحاولوا اقتحامها، فيما لا يستهدف طيران التحالف أيّ تجَمّع لآليّات داعش الكثيفة المنتشرة في هذه المدينة الكردية التي، ولإنعاش الذاكرة فقط، كانت تشهد في بداية أحداث سوريا أكبر تظاهرات المعارضة السورية؟!