بين كل ردود الفعل الدولية والاقليمية، على اتفاق لوزان النووي، يبدو تعليق وزير الخارجية الألماني شتاينماير الأكثر واقعية، بقوله: “من المبكر الاحتفال”.
الأسباب المستنتجة من هذا التقويم عديدة، أولها أن الاتفاق النهائي لن يكون جاهزاً قبل 30 حزيران. الثاني، ان الاتفاق أثار معارضة، في طهران وواشنطن ما قد يهدد لاحقاً الالتزام به. الثالث: أن من مصلحة قيادتي البلدين أن تضخما للخصوم الداخليين، حسنات “الانجاز”. واذا كان أوباما سيواجه الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، التي تشكك في نيات طهران، فان نظيره حسن روحاني يواجه تشكيك الحرس الثوري، الذي وصف الاتفاق بـ”الكارثة”. الرابع، ان وتيرة ازالة العقوبات تركت لمرحلة استكمال المفاوضات.
أمر طبيعي أن يثير الاتفاق الكثير من التحليلات السياسية المتناقضة. لكن “الاحتفائيين” من جمهور ايران، الموزعين في “امبراطورية فارس” المتوهّمة، لم يفوتوا فرصة تأكيد التماهي معها، ومشاركتها طموحاتها، بترسيخ الوهم بأن الاتفاق النووي انتصار لـ”مشروع المقاومة”، وفي صلبه توسيع هيمنة طهران على المنطقة.
يستبعد هذا التهليل حقائق عدة. أولها أن المفاوضات على النفوذ مؤجلة لدى واشنطن وطهران على السواء. وما القفزات الايرانية المفاجئة، لا سيما في اليمن عبر الحوثيين، الا طرٍقاً على بابها. الثاني ان تصدي الرياض للانقلاب الحوثي رسالة واضحة لمن يشاء، مفادها أن أمن المنطقة شأن عربي أولا وأخيراً.
الثالث، ان الادارة الأميركية، في منتصف سبعينات القرن الفائت، لم تسمح للشاه محمد رضا بهلوي، بأن يوسع اطار نفوذه، ليكون وكيلا اقليميا لها، بما يبعد، ليس الاتحاد السوفياتي، العدو”، وحده، بل والولايات المتحدة، الحليف، عن التدخل في الشرق الأوسط، أو اتخاذ موطئ قدم فيه، حسبما كان يطمح.
الرابع، يخص حزب ميليشيا ايران في لبنان، وما يماثله في الدول العربية وغيرها، وهو تذكير بواقعة “بطلها” الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي (1997-2005 )، فقبيل انتهاء ولايته الرئاسية، اتخذ مبادرة لمصالحة واشنطن، عهد الرئيس جورج بوش الابن، تحديداً في 2003، أي بعد سنة من خطاب الأخير على “محور الشر”، الذي جمع فيه ايران الى العراق وكوريا الشمالية.
حملت المبادرة نقاطا محددة، نقلها السفير السويسري لدى طهران: 1 – التزام الشفافية المطلقة في الملف النووي، أي فتح المواقع أمام التفتيش الدولي. 2 – التعاون مع واشنطن في ما يساعد الاحتلال الأميركي للعراق. 3 – تجريد حزب الله من السلاح. 4 – الاعتراف غير المباشر بدولة اسرائيل.
مقابل هذه التنازلات، كان لطهران مطلبان: رفع العقوبات، واعتراف بـ”مصالح ايران العسكرية” في المنطقة. البندان الأولان يتحققان حالياً، فيما البندان الأخيران على الطريق.
ليس على الحزب أن يقلق من ذلك، فهو جزء من التجربة اللبنانية الحافلة بخيانات “الحلفاء” الإقليميين لمن راهنوا عليهم في الداخل.