يصاب بالذهول من يتابع هذه الإتصالات المحمومة بين مختلف الأطراف (أحزاباً وقيادات ومستقلين) ومحورها التحالفات الإنتخابية المفتوحة على الأبواب كافة بما فيها… أبواب الجحيم: أي الإستعداد لعقد تحالفات بين أطراف ليس بينها أي جامع مشترك، ولا حتى قاسم مشترك! كما هي مفتوحة على إحتمالات لا تركب على قوس قزح! وبعض الساعين الى التحالف قال، ولا يزال يقول، في البعض الذي قد يتحالف وإياه، ما لم يقله مالك في الخمرة! ولكن كلّه، في سبيل المقعد النيابي يهون.
وندّعي أننا نكاد لا نستثني أحداً من هذه المسيرة التي طبعت حتى الآن، وستطبع أكثر، التحالفات الإنتخابية بطابعها، اللهم ما أعلنه كل من تيار المستقبل وحزب اللّه بأنّ تحالفهما غير وارد على الإطلاق.
إنه لهاث محموم وراء المقاعد النيابية… حتى ليصح التساؤل عن هذه الإستماتة بهدف الوصول الى مقعد نيابي يُفترض أنه وُجد لخدمة الناس من خلال أمرين لا ثالث لهما: الرقابة والتشريع. وبالتالي فهو محكوم (في المبدأ والقانون) بأنه لا يدر مالاً…
فلماذا هذا التهافت؟ ولماذا هذا اللهث؟ ولماذا هذا التسابق على بركة ورضى رؤساء الأحزاب واللوائح؟! وأي مصلحة للنائب في أن يتحوّل الى «سمسار خدمات» فيسعى وراء هذا الموظف أو ذاك من مختلف الفئات، «فيربح منيّة» هذا المدير وذاك الرئيس الدائرة، وتلك السكرتيرة عند مدير هنا ورئيس مجلس ادارة هناك؟!
بل الأنكى أن النشامى يركضون وراء المقعد النيابي وهم (خصوصاً الأثرياء بينهم) يدفعون الأموال الطائلة في سبيل ضمّهم الى اللائحة. وقد يذهب الكثيرون منهم الى حد رشوة رئيس اللائحة بمبلغ كبير من المال لا يدخل في ما ينفقونه على اللائحة لأنّ «هيدا شي… وهيدا شي»!
وبعضهم، وربما الكثيرون من بينهم، خصوصاً غير ذوي الحيثية أو الحظوة داخل الأحزاب والتجمعات، هم من المعروفين بأنهم لا يتخلّون عن الضربة… وبينهم من يعتبرون بامتياز من سلالة بخلاء الجاحظ، وآخرون يصح فيهم قول الشاعر الأموي الكبير الأخطل في البخل وهجاء قوم جرير البخلاء في قصيدة مطلعها «ما زال فينا رباط الخيل معلمة»، هذا البيت الرائع:
«قومٌ إذا استنبَحَ الأضيافُ كَلْبَهُمُ
قالوا لأمهم: بولي على النار
فتُمسِكُ البولَ بخلاً أن تجودَ به
ولا تبولُ لهم إلاّ بمقدار»!
المعنى واضح وهو إذا استشعرت الكلاب قدوم غريب وكان أصحاب الكلب قد أضرموا النار، دعوا أمهم لأن تطفىء النار ببولها لبخلهم حتى في صبّ المياه لإطفائها… وذلك كي لا تكون النار دليلاً على أنهم أعدوا طبيخاً، فلا يقدمون المأكل للضيوف! والأشد بخلاً الوالدة التي تضنّ (تبخل) حتى بكمية البول!
وهذا ليس حديثنا اليوم، إنما ذهبنا اليه لنؤكد (مع بعض المغالاة) أنّ الأقوام يركضون وراء المقعد النيابي بأي ثمن!
وعلى هذا الأساس «يتبغدد» رؤساء اللوائح، و«يرفعون التسعيرة».