IMLebanon

حان وقت خطة الأمن المعيشيّ

لم يعد اللبناني يهتم كثيرا لمستقبل الحوارات الجارية بين “المستقبل” و” حزب الله”، او بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، على رغم اجواء التهدئة التي تسود البلاد مترافقة مع جلسات الحوار. لكن الأولوية الحالية تبقى للامور المعيشية، وبغضّ النظر عن الوضع الاقتصادي المتردّي، والتبرير بأن لقمة الفقير ملوّثة غالباً، وهي حجة اقبح من ذنب امام تقصير الدولة في الرقابة، فإن الفلتان في كل القطاعات يصيب، بلا شك، اللبنانيين بمختلف فئاتهم ومستوياتهم. فالدواء الفاسد لا يتناوله فقير من دون الغني، واللحم الملوّث يغزو مطابخ كل المطاعم، والتزوير في تواريخ انتهاء الصلاحية يتم مركزياً قبل التوزيع على كل السوبرماركت.

واذا كان الوزير وائل ابو فاعور حرّك مياهاً راكدة في هذا الملف، فان وزراء آخرين استعدوا ايضا للمغامرة ومنهم الوزير علي حسن خليل والوزير اكرم شهيب، وبدرجة اقل الوزير آلان حكيم. ولعل العدوى تصيب وزراء آخرين يعشش الفساد في أروقة وزاراتهم ومكاتبهم، الا اذا كانوا، كما ردد امامي وزير معنيّ، “اعتبرنا انفسنا في مرحلة تصريف اعمال، ولم نرد ان ندخل في عمق الملفات”. والتصريح على صراحته، خطير لأنه ينطوي على غض النظر، وبالتالي تغطية الفاسدين والمفسدين.

والمغامرة ليست دائماً مضمونة النتائج لوفرة الفساد، ولكثرة التدخلات السياسية والطائفية الحامية كل عمليات الافساد. لكنها مغامرة مستحقة لأنها عامل انقاذ للوزراء انفسهم. فالمسحوق المهرَّب عبر المطار لتحويله دواء للاولاد، لن يكون بعيدا عن متناول ابناء علي حسن خليل ووائل ابو فاعور والباقين، الا اذا كانوا من طبقة وعجينة مختلفتين يستوردون مأكلهم وشرابهم ودواءهم من الخارج، ولا يستخدمون في منازلهم ادوات مطبخية مشعة كالتي عثر عليها في المرفأ والمطار.

لكن المؤسف ان الاجهزة الامنية والقضاء لا تواكب جيدا هذه المغامرة. فلم نسمع حتى الساعة باسماء الموقوفين المتهمين، او بالذين يحاكمون. فمن واجب الاجهزة الامنية ان تقبض على السارق فورا، وان يتحرك قضاء عاجل للبت في ملفات مماثلة. ثم كيف تستعيد وزارة المال ووزارة الصحة ووزارة الشؤون اموالاً من مؤسسات وافراد من دون ان تدعي عليهم بالسرقة، وعلى موظفين بالتواطؤ معهم.

بالامس قال الوزير خليل: “تبين أن خمسين طرداً أخرجت من جمارك المطار على رغم إعطاء الامر بوقفها”، وتبين ان “هناك تصريحاً عن انواع من البضاعة استبدلت أو بداخلها بضاعة اخرى وهي بحاجة الى إذن للسماح لها بالدخول”. واحيل الامر على التحقيق. وقبله لفت ابو فاعور إلى أن “بعض المحافظين لم يجاروا وزارة الصحة في عملها”، مشيرا الى “عثرات في بعض المناطق على مستوى قوى الأمن الداخلي”.

أفلا تستحق هذه الملفات جلسة وزارية خاصة، يحضرها قضاة وامنيون، لمناقشتها والخروج منها بموقف موحّد وداعم بدل التلهي بنكايات سياسية لا تفيد متضرراً او مريضاً او جائعاً؟