«مجد لبنـان اُعــطي لبكـركي»، هي عبارة تعطي للبطريرك حق إتخاذ القرار الحاسـم في كل الامور المصيرية، التي من شأنها المحافظة على لبنان ككيان ووجود، وبالتالي فهذه العبارة الشهيرة يرددّها المسيحيون في لبنان منذ عقود، مع العديد من المـفكرين ورجال السياسة، خلال حديثهم عن الظروف التاريخـية التي أدت الى ولادة لبنان الكبير في العام1920، نتيجة جهود البطريرك الياس الحويك الذي لعب دوراً بارزاً في استقلال لبنان، الذي لم يكن أمراً سهلاً بعد انسحاب العثمانيين، لكن البطريرك الحويك إستطاع توحيد اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم تحت شعار «حرية وســيادة لبنان»، فنال تفويضاً من اللبنانيين جميعاً ليطالب بإستقلال لبنان خلال مؤتمر «فرساي» حيث نجح في مسعاه، فعاد محققاً طموحات اللبنانيين في الأول من أيلول العام 1920.
في هذا الاطار تعتبر مصادر سياسية مسيحية أن الوضع اللبناني إختلف اليوم من كل جوانبه، اذ لم تعد شعارات الحرية والسيادة والاستقلال تجمع اللبنانيين المنقسمين سياسياً الى ابعد الحدود، فمحاولات توحيدهم باءت كلها بالفشل، ولم تعد تنفع وساطات الداخل والخارج، والمشهد مماثل على الخط المسيحي السياسي، فالانقسام كبير، وإن حظي بلقاءات وإعلان نوايا مشتركة، اذ وعلى ما يبدو لم تتوصل هذه النوايا الى حل في اهم ملف مسيحي، وهو رئاسة الجمهورية الفارغة الموقع منذ سنة وثلاثة اشهر، مذكّرة بما تضمنته ورقة « إعلان النوايا» الموقعة من «القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر» قبل اشهر، والتي تشدّد على ضرورة تصويب المسار، من خلال العودة الى مرتكزات الميثاق الوطني واحكام الدستور المتعلقة خصوصاً بانتخاب رئيس للجمهورية، على ان يحمل صفات القوة والقبول في بيئته والقدرة على طمأنة المكونات الأخرى، والايفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا، سائلة عن مدى تطبيق هذا البند ضمن الورقة المذكورة.
ونقلت المصادر المذكورة إستياء البطريرك الراعي مما يجري اليوم في البلد، والذي يكاد يشعل الوضع الامني في أي لحظة، لان الكيل قد طفح ويستدعي اجتماعاً مسيحياً طارئاً لوضع الجميع امام مسؤولياتهم ، من خلال التواصل ووضع النقاط على الحروف، خصوصاً في الملف الرئاسي الضائع والذي يستدعي حلولاً في العمق، لافتة الى مسعى كبير لعقد لقاء مرتقب يضّم القادة الموارنة الاربعة، للبحث في المخارج تحت عنوان وحيد هو « إنقاذ لبنان»، واشارت الى ان الراعي وانطلاقاً من ذلك سيمتحن مدى مصداقية « اعلان النوايا»، اذ سيطلب من موقعيه تنفيذ البند الرئاسي ضمنه، لان الجمهورية في خطر كبير وناقوس الخطر قد دُّق على كل المستويات، إزاء ما يحصل في البلد من تشنجات وتوترات وانقسامات ، آملة من الراعي ان يجمع كل المسؤولين المسيحيين كي يعوا حقيقة ما يجري من عملية انقلاب، لاننا نمّر في مرحلة بالغة الخطورة، وقالت: «لا بدّ من هذا الاجتماع الموّسع لبحث طرق الحفاظ على لبنان الوطن السيّد والمستقل، وعلى اولوية دعم الدولة والشرعية، بعد ان وضعت الازمات اللبنانيين أمام معادلة قد تقضي على السلم الأهلي، وتطيح بالدستور والشرعية»، مشددة على ضرورة ان يكون لقاء بكركي نداءَ لمواجهة كل ما يهدد الكيان اللبناني، لان الشرخ كبير ضمن البيت الداخلي، واصفة الوضع بأنه في أسوأ مراحله، اذ لم نشهد ذلك حتى خلال الحرب اللبنانية.
ودعت المصادر سيّد بكركي الى إتخاذ خطوات جريئة لجمع القادة المسيحيين بالقوة، لان حامل صولجان هذا الصرح الكبير معنوياً له الحق بإتخاذ قرارات مصيرية تعيد الحق الى المسيحيين، قبل ان يصبح هذا الحق في دهاليز النسيان، اذ حان الوقت لإستعمال العصا، لان مصير المنصب المسيحي الوحيد سائر على خط الهاوية، وهنالك خوف من فقداننا للموقع الرئاسي بأيدينا، مذكّرة بأقوال الراعي: «الوطن ليس لطائفة او حزب او فئة، ولن يحتكره أحد لأن في احتكار فئة له احتقاراً لنا جميعاً».
وختمت «بأن الساحة المسيحية اليوم تنتظر من بكركي شيئاً ايجابياً على خط التوافق، اذ لا زلنا ننتظر الرئيس وسط عواصف سياسية وتشنجات يومية بين الافرقاء المتناحرين، الذين وعلى ما يبدو لن يستفيقوا إلا بعد فوات الاوان».