IMLebanon

إنّها الحرب

   

الذين يخشون المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيشين الأميركي والإيراني، يتصرفون وكأن ما يجري الآن ليس حرباً فعلية تشنها الولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها والمتعاونين معها. الآلة الإعلامية الضخمة لا تزال تعتقد أن ما هو دون المواجهة العسكرية لا يمكن وصفه بالحرب. وهؤلاء ينقسمون بين فريقين: متواطئ وشريك كأوروبا وإسرائيل والسعودية والإمارات الخليجية، ممن يريدون أن لا تبقى الحرب مقتصرة على بعدها الاقتصادي والأمني، ويلحّون على نقلها الى المستوى العسكري، أملاً بالتخلص من عدوهم الأول إيران. والفريق الآخر فيه من يقولون بإمكانية تحمل العقوبات الانتقامية والضغوط طالما أن النار لم تشتعل.

لكن الحقيقة، بالنسبة إلى المعتدى عليه، تقول بأن ما يجري هو حرب بكل ما تعنيه الكلمة، وأن مواجهة هذا العدوان واجبة بكل ما يلزم من أدوات، وأنه في حال توفر عناصر تمايز في طريقة تعامل الحكومة والإدارات المتعاقبة على السلطة في دول الغرب، إلا أن الهدف والمطلوب واحد: منع الحياة عن كل من يعارض سياسة الشرير الأكبر.

في لحظات حرجة كالتي تعيشها المنطقة والعالم، لا يمكن الوقوع تحت ضغط التهويل بإطلاق المستوى العسكري من الحرب، بل يجب العمل، بكل قوة، لمواجهة كل صنوف الحرب ومستوياتها. هذا لا يعني أننا نسير نحو مواجهة عسكرية حتمية. لكن من السذاجة الاعتقاد بأن الضربات التي تتعرض لها مصالح الغرب وحلفائه العرب في المنطقة، لا تمثل رداً أولياً، ولا الحد الأدنى من رد الفعل المتوقع على ما يقوم به الشرير الأكبر. بل إن التجربة والمعرفة بأصحاب الحق تؤكدان أن منطق المواجهة الشاملة يفرض التفكير في تدمير كل مصالح الغرب الشرير في بلادنا ومنطقتنا، وفي قطع أي صلة للغرب وأنصاره ببلادنا. وليذهبوا الى الجحيم هم وكل اختراعاتهم وقوانينهم، وحتى علومهم. لم يبدأ التاريخ مع هؤلاء. ولن تنتهي الدنيا بزوالهم. ها هم حفاة اليمن، الذين يقتلون كل يوم ألف مرة، ينتجون معادلات وأدوات شديدة التطور لمواجهة مجرمي الرياض وأبو ظبي والغربيين من داعميهم. وها هي تجارب كوبا وكوريا وإيران تقول إن الحياة ممكنة، ولو مع كثير من الصعوبة، من دون الحاجة الى الاستسلام. وها هي تجربة فنزويلا تقول بأن أميركا قوة قادرة، لكنها ليست قدراً لا مفر منه.

اليوم، يسود الذعر كل الدول التي تعيش على عائدات النفط، وخصوصاً دول الخليج، جراء احتمال توسع العمليات التخريبية لأدوات إنتاج النفط وضخه ونقله. وهو احتمال سيزيد طالما استمر العدوان الأميركي ــــ السعودي على شعوب المنطقة ودولها الرافضة لسياساتهم. ليس مهماً كل ما ينتظره أصحاب الياقات من تحقيقات وخلافه حول من قام بهذا العمل أو ذاك. القصة واضحة وبسيطة: لقد أوجد العدو الأميركي وأعوانه من دول المنطقة المناخ الملائم لكل الأعمال الانتقامية، سواء قامت بها حكومات أو جهات منظمة، أو حتى مجموعات مستقلة. وطالما هذا المناخ قائم، فعلينا انتظار المزيد، وربما الأقسى.

 

مجرد التفاوض مع المعتدي يعني الاستسلام، ومناخ التصعيد صناعة العدو نفسه، فلا يسألنا أحد عن ردة الفعل

 

في هذا السياق، يجب فهم سياسة أميركا والغرب اليوم في المنطقة. هم يواصلون الحرب المباشرة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وليبيا، ويواصلون الأعمال التخريبية في كل الدول الخصم لهم، ويعملون على ضرب استقرار دول شبه مستقلة كالسودان والجزائر وتونس، ويواصلون الإجراءات الأحادية لمنع الطعام والدواء عن دول وشعوب وجماعات بأكملها. وهم يواصلون الضغط بكل الوسائل لإجبارنا على الاستسلام. ويلوّحون بالمزيد، ويخرجون بين وقت وآخر شاهرين أسلحتهم ومنذرين بعظائم الأمور.

وفي الوقت الذي لا تنجح فيه هذه العمليات في تحقيق الهدف السياسي، يطلقون عملية تمويه اسمها الحوار والمفاوضات وخلافه. وهم يعلمون أنها مجرد خدعة لتقطيع الوقت، من أجل بناء جاهزية تضمن حرباً عسكرية رابحة. وإذا وجد بيننا ضعفاء، يتعرضون للضغط ويقبلون بمفاوضات تؤجل أو تمنع المواجهة. فإن بيننا اليوم من يرفض هذا الخيار. وبيننا من يقول لا صارخة. كما فعل قائد محور مقاومة الهيمنة الأميركية على العالم، السيد علي الخامنئي، أمس عندما قال: لا نجد أنفسنا في موضع استقبال أو البعث برسائل الى عدو العالم الأول… ونقطة على السطر!

في عالم الدبلوماسية الغربية الكاذبة، يجري التعامل مع مواقف إيران، على أنها وسيلة في التفاوض. وهم يتجاهلون أن إيران تتصرف على أساس أنها ارتكبت الخطأ الكبير عندما قبلت سابقاً بالتفاوض مع الأميركيين وحلفائهم الغربيين. وما يقوله الإمام الخامنئي اليوم، هو تذكير للخصم قبل الصديق، بأنه لا يمكن تكرار الخطأ مرة جديدة.

ماذا عن العواقب؟

ما يقوم به الغرب المجنون بقيادة أميركا له آثاره القاسية على حياة غالبية سكان الأرض. وما تقوم به دول الشر اليوم، يؤثر سلباً ومباشرة على عشرات ملايين البشر في العالم. ولا أحد يقول إنها أيام ممتعة التي يعيشها هؤلاء الواقعون تحت القهر. لكن للتاريخ دروسه التي توضح، من دون لبس، أنه في حالات النضال من أجل الحرية والاستقلال، لا يسأل الشعب عن الثمن المباشر. وإلا لما ثار مقهورون على مر الزمن. وهذا التاريخ يقول لنا، أيضاً، إن التجارب الناجحة في تحقيق هدف الاستقلال، ليست من نوع لا يتكرر. فكيف الحال، وقوة الثائرين على ظلم الوحش الأبيض باتت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عقود.

ما يجري اليوم له عنوان واحد: إنها الحرب، ومن يتخلّف عن المواجهة، سيعثر عليه في يوم قريب، على هيئة فأر يحفر مكاناً يدفن فيه نفسه لا رأسه فقط!