ممكن الانسان يتناقَر مع شريكه أو شريكته، ممكن يتناقر مع اولاده، مع أصحابه، مع زملائه في العمل، مديره، شوفير السرفيس.. ممكن يتناقر مع الدبّانة أو البرغشة. لكن من غير المنطقي أن تصل الأمور باللبناني لدرجة ان يتناقر مع كيس زبالة أزرق مليان.
إيدك عنّي واحترم حالك.. كانت هذه أوّل الكلمات التي تفوّه بها كيس زبالتي عندما مسكته من رقبته لأخرجه من البيت وأرميه في الحاوية.
مرّت سنين طويلة وأنت تتفنّن برَميي، مرّة إلى جانب الحاوية، ومرّة من نافذة السيارة، وأيام في الوادي أو النهر أو إلى جانب أي حائط يسهّل مشوارك… تفنّنت حتى حوّلت بلدك إلى حاوية نفايات كبيرة. لكن كفى، وصلت الأمور إلى حدّها، فبعد اليوم لن أخضع لأوامرك لأنني مليّت أن يتحكّم بي من هو أوسخ منّي.
وإذا كنت تظنّ أن شويّة حامض وبقدونس ومعلّبات فارغة ومحارم تجعلني نتناً، فأقلّه أنا فمي مقفول بإحكام ولا أستطيع التفوّه برائحة، ما بالك بكلمة… أمّا أنت، وما أدراك ما أنت، مليء بأخلاق لا يعوّل عليها، وطائفية عمياء، وتبعية خبيثة، وتزلّم غبي، وأفكار فارغة تملأها ببعض التصريحات من زعيمك… والأسوأ من كلّ هذا أنّ فمك مفتوح، ولا يتفوّه إلّا بما في جوفك.
النفايات التي تشتكي منها حضرتك، لم تذهب إلى حيث هي بملء إرادتها. هل لمحت في حياتك كيس زبالة يمشي على رجلين مثلاً ويختار مزبلة مطلّة على البحر ليرقد فيها؟
المشكلة ليست في الزبالة التي ترميها حضرتك وأمثالك على الطريق، المشكلة الحقيقية هي في من هم أوسخ من الزبالة وينزلون بأرجلهم على الطريق ليقطعوها ويحرقوا عليها الدواليب، أو ليطلقوا النار ويفتعلوا المشاكل، ويستميتوا ليدافعوا عن كرامة الزعيم كلما نقص حسابه في البنك 50 دولاراً، أو عندما لا يردّ على مكالمته زعيم آخر… بالمختصر، العالم استغنى عن الحمام الزاجل منذ زمن بعيد، لكن أنت وأمثالك ما زلتم حمامة الزعيم التي يوصل بها رسائله إلى الداخل والخارج.
أنتم في لبنان تبحثون حالياً عن حلول جذرية للتخلّص من الزبالة، أو بالأحرى عن أفضل حلّ يرضي مناخير الزعيم، وفي النهاية ستستقرّون على محرقة أو مطمر أو إعادة تدوير أو ستستكملون التكديس في مرتفعات برج حمود والكوستا برافا وغيرها… وسيأتي يوم وتتخلّص منّي، لكن ما الحلّ للزبالة التي في عقلك، ووطنيتك، وانتمائك؟ كيف وأين ومتى ستتخلّص منها؟
هل لاحظت السلطة التي تتلذّذ بممارستها عليّ، هل لاحظت كيف تمسكني بكل ثقة من رقبتي وتأخذني حيث تريد ومن ثم ترميني بلا مبالاة، ومن ثم تعود لإعادة ملئي من جديد وتنتظر اللحظة التي تتحكّم فيها برقبتي؟ هذا تماماً ما يفعله زعيمك، لكنك لست كيساً أزرق، وإنما كيس مزيّن بكرافات وساعة وتليفون ذكي… أنا كيس زبالة منذ البارحة، وأنت كيس زبالة منذ أكثر من 10 سنوات.
وقبل أن تأتي ساعتي، كان لا بدّ أن أقول لك انّ التاريخ لا يعيد نفسه وإنما أنت تعيده بملء غبائك.. ولا بد أن أوضح لك أنّ بلاد العالم تعلّمت أن تستفيد من الزبالة وتنتج من الكهرباء والسماد، وأنت لم تتعلّم أنك لا تفيد بشيء في بلدك سوى في فتح جروحات الحرب، والتطبيل والتهليل للذين سرقوا طفولتك وأحلامك ومستقبلك وصحتك وضحكة أولادك.
تباً لسلطتك عليّ، فاليوم أنا سأمسكك من رقبتك وسأخرج من المنزل لأبحث عن مطمر أرميك فيه.