لم تعتقد المرأة الطبيبة يوما أنها قد تصبح وزيرة في زمن «يتباطح» فيه الرجال على وزارة، و «يتناطح» فيه أهل السياسة على حقيبة.
أن يوليها رئيس مجلس النواب نبيه بري ثقته، فذلك «تشريف» يعني أن لا حجاب حاجزا ولا معوقات أمام المرأة لتقتحم عالم السياسة.
قبيل إعلان التشكيلة الحكومية، اتصل الرئيس بري بالدكتورة عناية عز الدين، وزفّ إليها خبر اختيارها وزيرة في التشكيلة التي ولدت سريعاً، مقارنة بحكومات لبنان الأخيرة. هكذا صارت «التنمية» في المختبر، ومنذ تلك اللحظة، تعيش الوزيرة حالة من الانهماك، وقد اكتظ منزلها بالإعلاميين. لا يتوقف جهازها الخلوي عن الرنين وقد تحوّل إلى سنترال متنقل، فيما ازدان مدخل بنايتها في تلة الخياط بالشتول الجديدة.
يروي زملاء عز الدين في المكتب السياسي لـ «حركة أمل» عنها الكثير: نشيطة وجدّية، تستثمر وقتها في تقديم البحوث والدراسات. ناشطة سياسياً. تقابل اليد الممدودة بيد تضعها على صدرها، في إشارة الى احترام وتقدير موجودين حتى من دون المصافحة التزاما منها بالشرع.
هكذا، سيعتاد الوزراء في الحكومة الجديدة على نمط مختلف من العلاقات الشخصية، لم يختبروه سابقاً، لكن كل ذلك لا يمنع الوزيرة من الإيمان والثقة بالقدرة على التغيير، فهي كانت الفتاة المحجّبة الأولى التي انتسبت إلى كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، ومن بعدها تحوّل الحجاب إلى ظاهرة طبيعية في الجامعة المذكورة.
بهذه الشخصية الواثقة بأن الإنسان سواء أكان رجلا أو امرأة هو مضمون أولا وأخيرا، تفرض مهمة عز الدين التنموية عليها البحث عن أفق لشباب عاطل عن العمل في غالبيته، في إطار خطط محضرة مسبقا. لا تفكر بالالتفات إلى الوراء أو النظر إلى المرآة كثيرا، للخوض في تفاصيل التعيين، أما أن تسند وزارة شؤون المرأة إلى رجل، فـ «أمر يبعث إلى السعادة، وربما يشكل ذلك حافزا للمطالبة بالحقوق أكثر وأكثر، كما أن هذا ليس معيبا، لأنه قد يكون سبيلا لإنصافها»، والأهم أن «الحكومة ليست حكومة تكنوقراط حتى تكون الوزارات بحسب التخصصات».
كان طبيعيا أن تلفت المرأة الوحيدة في الحكومة انتباه الجميع، وسائل الإعلام، الرجال، والنساء أيضا. مذ تم إبلاغها بالقرار انهمكت معالي الوزيرة في الرد على اتصالات التهنئة، واستفسارات الصحافيين، فـ«لم أنل قسطا من الراحة منذ يوم أمس (الأول)».
عندما تفكّر في المستقبل، تضع نصب عينيها جيل بأكمله. يكاد الأمر يحتاج إلى معجزة ما، لكن الإصرار والعزيمة يدفعانها إلى التأكيد على استكمال ما فعله السابقون. صعوبة الملف (التنمية) لا ترهبها، «إذا تراجعنا كلنا وامتنعنا عن الإمساك بالتنمية فإننا لن نصل إلى مكان»، تقول: «لا بد أن نتابع ما تم إنجازه في الملف، وأن نضع بصمتنا وأن نتقدم بالاستناد إلى خطط تؤمن الفرص للشباب».
تعيش الوزيرة، منذ الأمس، حالة من الاحتضان الشعبي تدفعها إلى التفاؤل. «من مبارح غمروني العالم».
ربما لأنها حالة فريدة، لكنها حالة لا تمنع من التساؤل: هل يمكن تحقيق أي شيء في إطار التنمية في بلد ظروفه قاسية كلبنان؟ تجيب الوزيرة: يجب أن يكون لدينا منهجية في الحلول، والمحاسبة، لتكون العملية التنموية مثمرة، مع الحفاظ على الموارد وإغلاق مسارب الهدر الذي قد لا يكون نابعا من الفساد وحسب، بل من سوء إدارة للملفات المالية. هذا صعب لكن لا بد من المحاولة، ولا بد من خطة.