مريض نفسي أم “نفسو قطّيعة”؟
نحن في القرن الواحد والعشرين… فهل تتذكرون؟ لا كهرباء، لا مياه، لا وقود، ولا خبز… عتمة، ظلمة، ليل واسوداد… وتحرّش ببناتٍ تحت عين الشمس. هو صحافي وروائي ومسرحي وخياله واسع، وهنّ، صحافيات وممثلات وجميلات اعتقد، على ما قيل، أنه قادر أن يمارس “غرائزه الشهوانية” معهنّ ويسرح بخيالاته مدوناً فصلاً آخر من فصول كتاباته عن الدعارة والبغاء والمحرّمات والفسق والعهر وتذييلها بتوقيعه: جعفر العطار.
في 21 أيلول، إدعت النيابة العامة في بيروت على جعفر العطّار بجرم التحرش، وأحالت الملف الى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت. وفي صبيحة اليوم التالي، في 22 أيلول، رددت نساء كثيرات، ممن تعرّضن لمحاولات التحرش من المتهم، وممن تعرّضن لذلك من سواه: صباح الخير.
صباح الخير…
نحن في ايلول سنة 2021 فهل يعقل أن يتجاوز “صحافي” و”روائي” وكاتب عنون أحد كتبه: “الإله في إجازة طويلة” كل الأدبيات الإجتماعية والأخلاقيات ويتصرف كما لا يفعل حتى “الصبيان”؟ هل هناك من يتجنّين عليه؟ هل هو بريء؟ هل هو متهم؟ جعفر العطار أصبح مدعى عليه رسمياً بعدما تجرأت الممثلة تريسي يونس على إفشاء ما فعله معها. جرأتُها عززت جرأة صبايا كثيرات جرى معهن ما جرى معها. وكرّت السبحة. فالمتحرش العطّار كما قلنّ يعرض عليهنّ المساعدة، العمل، السيناريو، الكتابة الصحافية، التمثيل، ثم ينقضّ عليهنّ غزلا عبر الهاتف و”الميسنجر” و”سيغنال” وواتساب، ثم يبدأ بإرسال صوره “السيلفي” إليهنّ بعد “نصاص الليالي”. تكتيكٌ من شخص تتغلب غرائزه على عقله فيترك لها العنان. هو رفض ادعاء الصبايا لكنهن تضافرن وادّعين عليه. في البداية نفى ثم قال عنهن “ش…” ثم بدأ سردَ الأخبار عنهن وعن مشاعرهن الملبّدة (…) حاول “بخياله” الواسع حبك القصص وسرد الخبريات… لكنه، لم يعِ على الأرجح أنه سيسقط في الآخر في الفخّ.
تريسي، لونا، آيا، رنا، رفيف… اسماء أسماء لضحايا “كاتب” هلوس غرائزياً وتحرّش بالفتيات وابتسم كثيراً حين قيل له: أنت تحرّشت بالصبايا. وسأل: ماذا تقصدون بالتحرش؟
اجتمعنَ وادّعينَ
خياله واسع. طموح في تصوير علاقاته في السياسة وفي الغوص في المحرمات. الدعارة هاجسه. الفسق خياله. يُخبر متتبعيه أنه توقف عن شرب الفودكا لانه حزين والفودكا لا تعرف الكذب بل تحمله الى الخطابات الفلسفية بصوت عال فيتحدى الإله والكتاب المقدس. فهل كلهنّ كذبنَ وتجنّين عليه أم هو يعاني مرضاً ما؟ وهل يكون العطار أول محكوم بالقانون اللبناني الذي أقرّ قبل أقل من عام ويعاقب التحرش الجنسي؟ وهل “إنتفاضة” الصبايا على المتحرش جعلتهن ينتصرن على الثغرات التي قيل أنها موجودة في القانون؟
القانون الذي أقرّ حديثا في لبنان أجبر “الضحية” على اللجوء الى القضاء الجزائي، ما يعني المرور في شكل علني بمخفر وقاض وتحقيق… والكل يعلم أن علنية إفشاء الفتاة، أي فتاة، بما تعرضت له غير سهل… كما ليس سهلا على الضحية أن تثبت فعل التحرش ونتائجه أيضا وهو ما طالب به القانون… غير أن الصبايا حين يجتمعن ينجحن في جعل المستحيل ممكناً.
تمّ الإدعاء رسمياً على المتحرش العطار و”المسار” سيكون طبعاً كما قالت لونا صفوان طويلاً “فكل شيء يسير ببطء في لبنان لكن الملف أصبح على الطريق الصحيح وجرى توثيق كل الأدلة والمحادثات والشهادات عن كل ما حصل مع كل صبية تعرضت للتحرش من الشخص المذكور”.
ليست المرأة العنصر الأضعف. المرأة قوية جدا، لكن هناك رجالاً ضعفاء جداً. وضعف الرجل يجعله يظنّ أن “ذكوريته” قد تكفي لحجب كل شيء آخر. هنا لا نتكلم عن جعفر وحده فالمتحرشون، خصوصاً في دول العالم الثالث، غير قليلين أبداً. والسارحون بأحلامهم كثيرون أيضا. وجعفر، الذي يسرح في مخيلته ليكتب ما يكتب، معتقداً أن أسلوبه “تراند” خاص به، قد يكون تأثر بما يكتب أو تأثرت كتاباته بذهنيته ومكامن الضعف فيه. وهو ما جعله يظن الخطأ صواباً، بحسب أحد إختصاصيي علم النفس، هو تصفيق بعض الملحدين له حين يتكلم عن الله وتصفيق بعض “المرضى” له حين يتكلم عن الجنس والدعارة والفسق. إنها لعبة الـ “سوشيل ميديا” التي أول من تُدمر صاحبها.
خيال مريض
غريبة بالفعل هي قصّة جعفر العطار الذي يتسلل، بحسب ما أثبتت سبع صبايا الى غرفهن ليلا، باتصالاته وصوره، متحججاً حين يواجهنه بأنه “سكير”. ولنسمع من لونا صفوان، الصحافية، ما حصل معها؟
تشير لونا الى اقتحام جعفر “مساحتها، ومساحة أخريات، الشخصية. وهو لم يصل الى التحرش الجسدي وتشرح “في البداية ظننت أنني أخطئ في الحكم عليه لكن سرعان ما بدأ إحساسي يكبر ويزيد وحين عرفت بأفعاله مع الأخريات أيقنت صحة ما شعرت به”.
الإحساس قد يكون في البداية “ضبابيا ومشوشا” لكن، حين تتكرر محاولات المتحرش يُصبح الأمر ثابتاً. وتقول لونا “أزعجتني تصرفاته كثيراً وهذا ما جعلني أحظره “بلوك” من كل حساباتي على “السوشيل ميديا” خصوصاً بعد أن بدأ يقتحم أموري الشخصية. إختفى نحو شهر ونصف وعاد من خلال حسابات أخرى. ضايقني مراراً وحين رفعت تريسي (يونس) وآيا (أبي حيدر) “الصوت” وأعلنتا ما يفعله معهما أيقنت ضرورة أن أعلن بدوري ما كان يفعله. ثمة نقاط تشابه كثيرة بين كل الصبايا وتتلخص في حشريته في اقتحام حياتنا الخاصة وإلحاحه لبناء علاقات معنا وحين صديناه بدأ في اختراع “خبريات” ليقول إن الذنب ذنبنا. شخصياً، نشر رقم هاتفي الخاص على الفيسبوك ليقول “اللي بدو من الشباب يجرب معي”. أجريت به Report مرتين. قال إنني أنا من أريد إقامة علاقة جنسية معه. راح يكذب. كذب كثيراً. خياله واسع جداً. لكن، الصور التي كان يرسلها لي وللصبايا والكلام الذي كان يقوله وثقناه كله ورفعنا ضده دعوى. كان يرسل لي وللصبايا ليلاً صور “سيلفي” يأخذها لنفسه مع عبارات شاعرية ذات دلالات جنسية، مع العلم أنه حريص على عدم وضع صوره على السوشيل ميديا. حساباته الخاصة حوّلها هي أيضا، بعد إعلان الصبايا ما كان يفعله معهن، “برايفت”. وقد قيل لي مراراً: هذا رجل “واصل” ووجهه لا يُظهره على “السوشيل ميديا” ويمكن أن يشكل خطراً عليّ. أراد إخافتنا لكننا تشجعنا وعبّرنا ونجحنا في جعل النيابة العامة تدعي عليه”.
أصعب لحظات كانت حين دخلت الصبايا الى مخفر حبيش لتقديم دعوى تحرش على جعفر العطار. وتقول لونا: “جلسنا مع محققين رجال سألونا عن حياتنا الجنسية. موقف حرج”. والدها رافقها وظل ينتظرها في الخارج وشجعها على تقديم الدعوى لكن دخولها الى مخفر حبيش أزعجه.
نعود لنكرر: غريبة ٌ بالفعل هي قصة جعفر العطار. فهل “خيالاته” دفعته الى “فبركة” قصص أم هو شاب مريض؟ الصبايا اللواتي قرّرن مواجهة “التحرش” حتى النهاية يتحدّثن عن خطيبة جعفر وتدعى رائدة الخليل. هي فتاة ٌ جميلة وواثقة من نفسها. لكن، للمفارقة، هي ترفع شعار تمكين المرأة. رائدة تدافع عن المرأة المعنفة والتي تتعرض للتحرش لكنها، في المقابل، وضعت صورة على إنستغرام لخطيبها المتهم وذيلتها بعبارة: يا سمره يا حلوة. وكتبت بالأجنبية: if you have a twin I would still love you. فردّ عليها: وأنا بختارك بين الكلّ يا كل الدني. فهل نحن أمام إنفصام في الشخصية؟
إرتبط جعفر العطار بخطيبته رائدة الخليل في 15 آب 2020. وفي 24 كانون الأول دافعت عن النساء اللواتي يتعرضن للتحرش وقالت “إسترجل وحميها بدل ما تتحرش بها” ووضعت هاشتاغ: مجتمع ذكوري متخلف منافق بشع. فكيف لصبيّة واعية تدافع عن حقوق المرأة ألّا تتوقف أقله دقائق أمام إعلان سبع فتيات، من عمرها، عن تحرش قام به خطيبها الأسمر؟ هي تحدثت عن نفاق الرجال ودفاعهم عما يقترفونه بحق النساء بافتراءات. فكيف لهكذا “مدافعة” أن تدلل رجلاً بعد إدعاء النيابة العامة في بيروت عليه بجرم التحرش؟ أسئلة كثيرة مقرونة بدهشة كبيرة.
التحرش الجنسي ليس جديداً لكن ما يحدث هنا أننا أمام بوح جريء من مجموعة صبايا لأول مرة يعترفن بصوتٍ عالٍ: هذا الرجل تحرش بنا. ونحن أيضا أمام “متحرش” غريب من نوعه معروف بخيالاته الواسعة. ونحن أيضاً وأيضا أمام أول دعوى تقام بعد إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي في لبنان. والعقاب سيتراوح بالحبس بين شهر وعامين أو دفع غرامة مالية تراوح بين ثلاثة وعشرين ضعف الحد الأدنى للأجور الذي يساوي 675 ألف ليرة الآن. يعني الغرامة “ما بتخوف” المتحرش.
المسيرة طويلة. الصبايا يؤكدن ذلك. جعفر العطار لا بدّ يعرف هو ايضا ذلك وسيكون لديه متسع طويل طويل من الوقت ليكتب بدل المسرحية الواحدة مسرحيات. ألم تقل الفتيات أن خيال العطار واسع؟