IMLebanon

جبل محسن: الفراغ يولّد النقار على الزعامة

 

سياسة   تقرير       

الكل يتسابق في منطقة جبل محسن على «تحصيل حقوق الطائفة العلوية»، ولا سيما في ضوء انحسار نفوذ الحزب العربي الديمقراطي ومعه آل عيد، وكذلك عدم تشكيل مجلس علوي جديد. الحراك السياسي في «الجبل» بعد الانتخابات النيابية، يشي بمرحلة جديدة قد تفرز وجوهاً غير تقليدية وخطاباً سياسياً ليس مألوفاً في البيئة العلوية

 

منذ أن طوت طرابلس «حرب المحاور» في عام 2014، لم يحصل المتضررون من أبناء جبل محسن على ما يعوّض خسائرهم في الأرواح والمنازل والمحالّ التجارية. كذلك، لم تفتح طرابلس أبوابها لإعادة استقبال من طُرد من أصحاب المحلات والعمّال العلويين منها. في السياسة، لم تندمل الجروح، ولا تحققت المصالحة بين العلويين ومحيطهم. انكفأ هؤلاء في عمق جبل محسن، وبدأوا بالتوسع فيه أفقياً بحثاً عن أمنهم الاقتصادي الذاتي. تضاعف الشعور بالقلق والتهميش مع تغييب رئيس الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد قسراً في سوريا.

لم يعرف أهالي «البعل» طعم التنافس السياسي الحقيقي. كان الحزب العربي الديمقراطي بما يمثل من زعامة لآل عيد، هو الناطق الوحيد باسم العلويين وصاحب القرار المطلق في الجبل. أكثر من 40 عاماً استطاع خلالها آل عيد تثبيت زعامتهم ورفع لواء الدفاع عن طائفة دفعت ثمناً باهظاً لولائها وارتباطها الوثيق بسوريا ونظامها. ندر أن يخرج صوت من جبل محسن يعارض سياسة آل عيد أو يُناقضها، حتى نواب المنطقة الذين أفرزتهم الدورات الانتخابية السابقة ومحادل السلطة، ندر أن يصدر عنهم أي موقف سياسي باسم الطائفة، بل انحصر التنسيق الرسمي مع الحزب العربي ومن خلفه آل عيد. حتى المجلس الإسلامي العلوي، لم يكن خارج عباءة آل عيد، ومنذ أن توفي رئيسه الشيخ أسد عاصي، قبل سنة، وهو أول رئيس ملّي للطائفة العلوية في لبنان، زاد حجم الفراغ، في انتظار القرار السياسي ومن ثم التوافق على رئيس جديد للمجلس.

 

لن يكونا أسوأ من أسلافهما!

وبالرغم من غياب رفعت عيد عن جبل محسن لما يقارب خمس سنوات، إلا أن زعامته لم تتزعزع. بقي الأقرب إلى قلوب العلويين، إذ خاض الحزب العربي الانتخابات النيابية الأخيرة ممثلاً بالمرشح العلوي على لائحة الكرامة الوطنية أحمد عمران، الذي حصد 2794 صوتاً تفضيلياً علوياً مقابل 2246 صوتاً علوياً للنائب علي درويش الذي كان مرشحاً على لائحة العزم. يرفض عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديموقراطي علي فضة ما يُقال عن أن الحزب خاض الانتخابات، بالنسبة إليه «الحزب دعم مرشحاً (عمران) ليس أكثر، ولم يشارك بثقل في الانتخابات، إذ إن ماكينتنا الانتخابية لم تجهّز إلا قبل 48 ساعة من المعركة الانتخابية، وبالتالي، لو قمنا بما قام به غيرنا من شد عصب طوال فترة التحضير للانتخابات لكانت الأمور قد اختلفت كلياً. وبالرغم من ذلك ليس لدينا أي مشكلة بالنتيجة، إذ إن النائبين العلويين اللذين أفرزتهما الانتخابات (علي درويش في طرابلس ومصطفى علي حسين المرشح على لائحة لبنان القوي في عكار والحائز 1353 صوتاً) لن يكونا أسوأ ممَن سبقهما إلى التمثيل النيابي»!

إلى هنا يبدو كلام فضة مفهوماً، لكن مجرد الغوص في حجم التباين في الخيارات السياسية بين الممثل الشرعي للعلويين في طرابلس النائب درويش، والحزب الديموقراطي، يعطي إشارة إلى أن التباين قد يطفو على السطح عند أول استحقاق. يمقت فضة «الوسطية» التي يمثلها درويش ولا يؤمن بها. يقول في معرض انتقاده خيارات درويش: «نحن لا نحب الرمادية في الموقف السياسي»، مستشهداً بقول أرسطو إن صديق الجميع ليس صديقاً لأحد، يُوضح لـ«الأخبار» أنه «عندما يكون هناك أي موقف سياسي لا ينسجم مع قناعاتنا وما نمثله فإننا حتماً سنخرج بموقف معارض».

يفتخر فضة بالعلاقة مع النظام السوري. «نحن دفعنا دماً مقابل هذا الارتباط ولم نتراجع ولن نتراجع، بل على العكس، يزداد إيماننا بصوابية خيارنا السياسي». ويقول: «يدنا ممدودة، ونحن منفتحون ومستعدون للتواصل مع أي كان لأن أولويتنا هي مصلحة الطائفة، ولكن على الجميع أن يُدرك أن لا أحد يستطيع تغيير وجه جبل محسن ومن يراهن على ذلك فرهانه خاسر سلفاً».

 

درويش والباب بدل الشباك

لم يكن أحد يجرؤ على فتح «بيوتات سياسية» في «البعل»، إلا أن مرحلة ما بعد الانتخابات ليست كما قبلها. وزاد الطين بلة ما نقل عن لسان رئيس الجمهورية ميشال عون حول نيته تمثيل الأقليات (العلويون والسريان) في الحكومة الجديدة. هذا الكلام فتح شهية المستوزرين من النواب وغيرهم. في هذا السياق، لا يخفي النائب علي درويش سعيه إلى حصر المرجعية العلوية به. ويقول لـ«الأخبار» إنه «من الآن فصاعداً، على الجميع مخاطبة الطائفة العلوية من الباب وليس من الشبّاك».

 

درويش لـ«الأخبار»: على الجميع مخاطبة الطائفة العلوية من الباب وليس من الشبّاك

 

يوضح درويش أنه يسعى إلى تغيير الواقع العام لمنطقة جبل محسن عبر تقديم نموذج بديل يتضمن آلية مستدامة لتحسين أوضاع البيئة المحلية المحرومة ورفع مستواها وتحسين وصولها إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية والبنى الاقتصادية وتحصيل حقوق الناس في الوظائف الرسمية وتحقيق اندماجهم مع محيطهم وعلى مستوى كامل مدينة طرابلس وتعزيز شعورهم بالانتماء إليها على حساب الانتماءات الأخرى. ينطلق درويش من دراسة تفصيلية للبيئة المحلية في جبل محسن، ومن ثم معادلة الوسطية، للتأكيد أن الأهالي «غير قادرين على الاستمرار في الذهنية السابقة. لن نحيد عن الخط السياسي العام، لكن حان الوقت لنُعيد للمنطقة استقرارها، خصوصاً أن طرابلس ستكون جزءاً اساسياً من خطة إعادة الإعمار في سوريا، ولا بد لجبل محسن من أن يلعب دوره في هذا الإطار».

يلتقي الحزب العربي الديمقراطي والنائب علي درويش في تبني شعار «رفع المظلومية عن الطائفة العلوية»، لكن لكل منهما رؤيته له، ومهما كانت النتيجة، لن يكون بمقدور درويش سحب بساط الزعامة من تحت أرجل آل عيد وحصر المرجعية العلوية به «لأن هذه الزعامة بُنيت على تضحيات ودماء آلاف الشهداء من أبناء المنطقة، وإن ما يربط أبناء الجبل بالحزب العربي ولاءٌ عاطفي وعصبي يصعب خرقه، فهو لا يزال يُشكل الضمانة الحقيقية لهم بوجه أي خطر قد يُداهمهم» على حد تعبير أحد القياديين العلويين.