Site icon IMLebanon

لكل جبلٍ باب

 

ثورة “الخاصرة الرخوة” في طرابلس

 

بحركة ميكانيكية، تخطف السيّدة الخمسينية واحداً من القمصان المغسولة في السلّة الموضوعة تحت قدميها. تنفضه سريعاً، ثم تُعلّقه على حبل الغسيل. تُلقي نظرة خاطفة على الشارع في الأسفل وتُنادي: “يا ابراهيم… قديش البندورة معك اليوم؟”. يرد الشاب سائق “البيك آب” المُحمّل بالخضار والفاكهة: “ألفين وخمسمية الكيلو”. يسود صمت لثوان ثم ترد السيّدة: “ليش اسم الله؟ شو بيطلعلنا معه شقفة أرض بالدون تان”. تعلو صيحات الشباب المجتمعين أمام مدخل المبنى ضاحكة، ويُردف أحدهم: “إسمو الداون تاون يا أم كينان”، ليُقاطعه ابراهيم: “والله بالثورة كله غلي”، ويتابع ضاحكاً: “اشكري ربّك مش عم بيعك بالدولار”. بينما ضحك جمعُ الشبان، تمتمت أم كينان بكلمات غير مفهومة وهي تُغلق باب بلكونها الخشبي (الأباجور) وتختفي وراءه. استمر ابراهيم بتلبية حاجات زبائنه، الذين ينتظرون مروره في جبل محسن يومياً، بين التاسعة والنصف والعاشرة صباحاً منادياً على البضاعة التي لديه. وتابع الشبان تدخين نراجيلهم في جلستهم الروتينية أمام مدخل المبنى. هنا في ساحة بعل محسن، التي تبعد أمتاراً قليلة عن طلعة الملولة حيث قُطعت الطرق احتجاجاً وتماشياً مع الانتفاضة الشعبية، يبدو كل شيء طبيعياً. يمرّ اليوم عادياً. لا صخب ولا شغب ولا هتافات. على الرغم من أن أبناء جبل محسن لم يبقوا على هامش المشهد في طرابلس، إلا أن حضورهم في الثورة خجول نسبياً.

 

 

جبل محسن، تلة صغيرة على امتدادٍ واحدٍ مع محلّة باب التبانة. ترتفع حوالى 200 متر في الطرف الشرقي من طرابلس، من منطقة الملولة والمنكوبين شمالاً إلى مشروع الحريري جنوباً وشارع الأرز شرقاً. كانت تُعرف سابقاً بـجبل الزيتون. كانت أرضاً مغطاة ببساتين زيتون يملكها المدعو تيسير محسن، وقد وظّف عمالاً من الطائفة العلوية للاهتمام بالزرع وحصاده وساعدهم على التملك فيها. في مطلع الخمسينات، شهدت المنطقة حركة عمرانية واسعة، وسكنتها عائلات طرابلسية ثرية هرباً من زحمة المدينة القديمة، إلا أن الحرب الأهلية اللبنانية قضت على هذا الاختلاط وأفرغت الجبل من مكوّناته وبدّلت معالمه. فتحوّل إلى مركز لإقامة العلويين حصراً، حاله حال الكثير من المناطق اللبنانية الأخرى. لكن الجبل لم يكن أرضاً لمعركة واحدة، بل تتالت فيه الحروب وترسخت فكرة الأقلية لدى سكانه، خصوصاً مع تعزيز معادلة وحدة الحال والمصير مع سوريا وحُكم آل الأسد، وهو الحُكم “المكروه” في طرابلس. بات جبل محسن حصن العلويين لا منطقتهم فحسب.

 

بين جبل محسن وباب التبانة

 

في العام 1973 وتحديداً بعد عودة “الزعيم الأول” في جبل محسن علي عيد من أميركا، أنشأ “حركة الشباب العلوي” كتعبير عن رفض أبناء الجبل للإقصاء والإهمال والتمييز المُمارس ضدهم من قبل الدولة اللبنانية، التي – للمفارقة – لم تلتفت للشمال عموماً ولطرابلس خصوصاً، بل آثرت إهمال المنطقة حتى حدود النسيان. في العام 1980 تحوّلت الحركة إلى حزب عُرف بـ”الحزب العربي الديموقراطي”. في أثناء الاحتلال السوري للبنان تسلح الحزب وجُهّز أعضاؤه عسكرياً وحصل على دعم مباشر من سوريا وحلفائها في لبنان. وقف إلى جانب الجيش السوري في مختلف المراحل، وغض الطرف عن ممارساته الميليشياوية مع أبناء طرابلس، ما ضاعف نقمتهم عليه، إلى حد اتهمه البعض بالمشاركة في مجزرة قام بها الجيش السوري في العام 1986 في التبانة.

 

تفجير مسجد التقوى

 

على مستوى القاعدة الشعبية، عاش أبناء الجبل بوئام تام مع جيرانهم. تشاركوا في الكثير من الأعمال والمصالح، وكثرت الزيجات المشتركة بينهم. لكن في العام 2008 بدأ العلويون يشعرون بغربة في مدينتهم مع انطلاق شرارة الأحداث بين جبل محسن وباب التبانة. فبعد هجوم “حزب الله” و”حركة أمل” على بيروت وتلفزيون “المستقبل”، جاء الرد في طرابلس تحت عنوان “حماية أهل السنة”. اكتسبت منطقة جبل محسن وباب التبانة صفة الخاصرة الرخوة، إذ تحوّلت إلى صندوق بريد تُبعث من خلاله بالحديد والنار رسائل سياسية في أكثر من اتجاه. وكان أعنف ما عاشته المدينة، حرب الجبل والتبانة التي اندلعت في العام 2011 واستمرت حتى العام 2014 مُسجّلة 20 جولة اقتتال عبثية ذهب ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى.

 

تفجير المسجدين:  من يمحو الألم من الذاكرة؟

 

في أعقاب الحرب العبثية تلك، وتحديداً يوم الجمعة في 23 آب 2013 هزّ تفجيران بسيارتين مفخختين مدينة طرابلس. الأول أمام مسجد التقوى عند تقاطع نهر أبو علي، والثاني أمام مسجد السلام بالقرب من سنترال الميناء، أسفرا عن استشهاد 51 شخصاً وجرح أكثر من 800 آخرين. كان للحدث وقع أليم جداً على المدينة، أولاً بسبب رمزية مكاني التفجيرين وتوقيتهما، وثانياً بسبب ضلوع النظام السوري في الجريمة. ما حدث أربك الشارع العلوي، لا سيما مع توجيه أصابع الاتهام إلى شباب علويين من الجبل شاركوا في تنفيذ المخطط الإرهابي الذي قصم ظهر البعير بين المنطقتين المتخاصمتين. استطاعت السلطة السياسية وضع حدّ لحمام الدم بين “الجبل” و”الباب”، ومع إعلان تنفيذ الخطة الأمنية في المنطقتين العام 2014. أُعلن انتهاء الحرب، وهذه المرة أيضاً وفق الصيغة اللبنانية الأصلية: “لا غالب ولا مغلوب”. سُجن قادة المحاور في باب التبانة، في حين نُفي رئيس الحزب “العربي الديموقراطي” رفعت عيد ومعه 55 شخصاً آخرين إلى سوريا، بينما تُرك أبناء المنطقتين المنكوبتين لمواجهة مصيرهم وحيدين. غسلت الدولة اللبنانية مرة جديدة يدها من دمائهم وانصرفت. وبعد ست سنوات على حادثة تفجير المسجدين، وفي لحظة حسّاسة يمرّ فيها لبنان وسط الانتفاضة الشعبية ضد الفساد والسمسرات والمتاجرة بأرواح الناس، صدر الحُكم القضائي في تلك الجريمة، وأعلن المجلس العدلي الحُكم بالإعدام بحق بعض المتهمين (من بينهم شباب من جبل محسن، أبرزهم المُتهم يوسف دياب) والأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات والتجريد من الحقوق المدنية بحق آخرين.

 

“بدنا نقبر الفقر وأسبابه” تتصدّر المسيرة

 

تلقف أبناء جبل محسن الحُكم بعقلانية، وتعاملوا معه بحكمة بالغة. وبحسب النائب علي درويش: “كنا على علم بأن الحُكم سيصدر عاجلاً أم آجلاً. بالنسبة إلينا يجب أن ينال كل مجرم عقابه ولا أحد فوق القانون”، مشيراً إلى أننا “لن نسمح لأحد بأن يستغل القضية في البازار السياسي، وكما تمت هذه المحاكمة لا بد أن تُستكمل المحاكمات الأخرى وتشمل مرتكبي التفجيرات الإرهابية التي طاولت جبل محسن أيضاً”. بالنسبة إليه “انتهى زمن الانقسام في طرابلس، فقد عاد الجبل إلى حضن المدينة بعدما قال كلمته في الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ خرج أبناؤه عن حُكم الزعامة التقليدية”، موضحاً أن “الجبل لم يعد يحتمل العيش في عزلة، لا سيما أنه جزء أساسي من نسيج هذه المدينة ويجب أن يُمارس دوره بشكل طبيعي”.

 

وعن الثورة ومشاركة شباب من جبل محسن فيها، يؤكد درويش أن “معاناة أهل الجبل لا تختلف عن معاناة أي لبناني، ومن البديهي أن يشاركوا وينتفضوا. وإذ نشدّ على أيديهم نُحذّر من أي استثمار سياسي أو طائفي لما يجري”.

 

على الرغم من أن أداء درويش في الحياة السياسية بشكل عام يتصف بالمقبول، خصوصاً أنه بعيد كل البعد عن ملفات الفساد، إلا أن لشباب منطقته عتباً عليه. ففي بداية الثورة، قصدت مجموعة من الشباب المتحمسين مكتبه في جبل محسن وعاثوا فيه تخريباً، فما كان من الأخير، بحسب الناشط علي شاويش إلا أن ادعى عليهم. يوضح شاويش أن “ما حصل لا يستحق ردة الفعل هذه، كان الأحرى بالنائب درويش أن يمتص غضب الثائرين ويستوعبه”. لا ينفك يُشبّه علاقة درويش بأهله في الجبل بعلاقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الطرابلسيين. يقول: “درويش يتعامل معنا بالذهنية نفسها التي يتعامل بها ميقاتي مع طرابلس، هو الغني ونحن الفقراء. علينا نحن أن ندفع ثمن فقرنا ويُطلب إلينا أن نتصرف بهدوء وروية. من يعِش في جبل محسن يعرف حجم الإجحاف الذي لحق بنا، لذلك فإن غضبنا مضاعف ولا يُمكن كبته. هناك من حاول، تحت شعار حمايتنا، عزلنا تماماً عن محيطنا. هناك من حاول توريط طائفة بأكملها في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وليس تفجير المسجدين إلا حدثاً ضمن هذا المخطط”.

 

المسيرة من التبانة إلى جبل محسن

 

يتابع: “ما حدث لا يُمثلنا وقد تبرّأنا من مرتكبيه من اللحظة الأولى وطالبنا بمحاسبتهم. لا يجوز أن يدفع كل علوي ثمن ما حدث فقط لأن هناك شباناً غُرر بهم ووقعوا ضحية مخططات أكبر منهم”، موضحاً أن “أبناء الجبل كما أبناء التبانة لا يريدون العودة إلى الحرب، ولا نريد أن نعيش في كنفها بعد اليوم. يحق لنا أن نحلم بغد أفضل ونسعى إليه”.

 

ما قبل الثورة

 

لم تندمل جروح جبل محسن وباب التبانة. بمعزل عن قضية التفجيرين، ذاق أبناء المنطقتين ويلات فظيعة وشهدوا على فصول غير مسبوقة من العنف خلال الحرب، أدت إلى تعميق الهوة ورفع المتاريس الاجتماعية بينهما. قبل انطلاق الثورة، جرت محاولات من قبل ناشطين في الجبل لإعادة اللحمة بينهما، ومساعدة الأهالي المتضررين من الحرب العبثية على تخطي ذيولها. تعددت المبادرات وفق شاويش، وشملت الشقيّن النفسي والمادي، بحيث قدّمت جمعيات مدنية مساعدات عينيّة عدّة للأهالي وقامت بترميم المنازل ومحو آثار الرصاص الذي اخترق هياكلها وصدّعها. كما عمل بعضها على تقديم الدعم النفسي للأهالي وللأطفال من المنطقتين عبر إشراكهم في أعمال مسرحية وحلقات دعم توعوي. إلا أن الخوف بقي حاضراً. شبح الحرب لا يزال مخيّماً في النفوس. لم تجرِ عدالة انتقالية حقيقية بين المنطقتين، وهو ما يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها الرسمية التي لم تلتفت إليهما لا في زمن الحرب ولا حتى في زمن السِلم. بعد انتهاء الحرب تُرك هؤلاء لمصيرهم. تركوا لمداواة جروحهم وحيدين. الجزء الأصعب جسّده العمل مع ذوي الشهداء، بحسب شاويش، “هؤلاء كان تخطيهم لما جرى شبه مستحيل. لا مجال لمخاطبتهم بطي صفحة الماضي. توقف الزمن بالنسبة إليهم هناك، يوم قضت رصاصات وقنابل على أحلام فلذات أكبادهم في حرب غير مبررة”.

 

الناشطة إيمان ابراهيم خلال التظاهرات

 

ليس خافياً على أحد أن التعاطي مع أبناء جبل محسن لم يكن يوماً ضمن صيغة وطنية، بل كان يتم على أساس أنهم “علويون” وليسوا مواطنين. وبحسب شاويش: “نحن الأقلية الأكثر استضعافاً. مشكلتنا تبدأ من لحظة اتهامنا بالولاء المطلق لسوريا وعندما يُنظر إلينا كسوريين لا كلبنانيين. هذا إجحاف واستفزاز في آن. نحن أبناء هذا الوطن ونحمل هويته وأبناء هذه المدينة، وقد شاركنا في نهضتها وصنع تاريخها مع سائر مكوناتها. ليس لدينا أي مشكلة مع الطائفة السنية، بل يأسنا من تكرار ذلك وإلزامنا، بشكل مقصود أو غير مقصود، على إثباته كل يوم. مشكلتنا مع قانون انتخابي أكثري فُرض علينا لسنوات طويلة وأنتج نواباً لا يمثلوننا ولا يعرفون شيئاً عن الجبل أصلاً. مشكلتنا في حرماننا من التمثيل الحكومي. منطقة تضم 100 ألف نسمة هل يجوز ألّا تُمثل بوزير في الحكومة؟ كذلك على مستوى التمثيل البلدي والاختياري، لا تُمثل المنطقة سوى بمختار واحد”. يُضيف: “ما دام نظام المحاصصة الطائفي قائماً فلن نتخلى عن هذه المطالب. نريد حقنا أسوةً بسوانا. أما في حال تغيّر هذا الواقع فيُبنى على الشيء مقتضاه. نحن دعاة دولة مدنية تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، ومطالبنا التي نزلنا من أجلها إلى ميدان الثورة في طرابلس لا تختلف عن مطالب جموع الناس”.

 

 

جبل محسن والثورة: “الحال من بعضه”

 

حضر جبل محسن في ثورة طرابلس. هتف المتظاهرون في ساحة النور لإخوتهم في الجبل. ردّدوا “الجبل منّا وفينا”. صدحت حناجر الحاضرين بالحب لهم وعلت قبضاتهم دعماً وتأكيداً على وحدة الحال والمصير. شارك شباب الجبل في الثورة. نزلوا بأحلامهم الكبيرة بعدما وضّبوا ذكريات الحرب في حقائب الماضي البعيد. “بدنا نعيش ما بدنا نضل علقانين بالحرب”، يقول علي فرحات. ويضيف: “كنا بحاجة إلى ثورة على كل ما جرى. كنا بحاجة لأن نصرخ ضد الحرمان والذل فنحن جزء لا يتجزأ من المدينة. ما هو الفرق بين جبل محسن وباب التبانة؟ لا شيء. نُعاني نفس المعاناة. نشكو القلّة والفقر والبطالة وغياب الحد الأدنى من الحقوق المعيشية. في منطقتنا أيضاً لا كهرباء ولا ماء ولا طبابة ولا جامعات”. يصمت برهة ثم يردف: “لك الحال من بعضو شو بدنا نعد أكثر!”.

 

انطلاق المسيرة نحو جبل محسن

 

في جبل محسن قُطعت الطرق. عبّر الأهالي عن سخطهم بالأساليب نفسها التي اعتمدتها الثورة في تأكيد مباشر على الحضور في عمق المشهد. فتيات الجبل لم يغبن عن الانتفاضة أيضاً. إيمان ابراهيم واحدة من اللواتي قدن هتافات الشارع. حملت الشابة مكبّر الصوت وصرخت: “كرمالك يا طرابلس بدنا نسقّط المجلس”، فردّت الحشود الهتاف بصوت أعلى. لم تغب إيمان عن الساحة منذ اليوم الأول، هي المتعبة من واقع مأزوم تجد في الثورة الفرصة الأخيرة لإصلاح ما خلّفته سنوات الفساد وتفشي الطائفية والحقد. ردّدت إيمان عبارتها مراراً: “البلد كله شهد ثورة واحدة، إلا طرابلس شهدت ثورتين: الأولى ضد الفساد والثانية ضد الحواجز الاجتماعية التي بنت جدارات عزل بين مكوناتها. طرابلس حققت ثورة اجتماعية لإعادة بناء منظومتها من جديد، ولكسر الطبقية والفرز العمودي وتحديداً بين أبناء الخاصرة الرخوة”. تقول: “شخصياً كنت أتحاشى المرور في ساحة النور سابقاً لما مثّلته على مرّ السنين من رمز سياسي. كانت المكان الأبرز لتجمع المحازبين وصور السياسيين. غيّرت الثورة من هويتها ومحت آثار هؤلاء عن جدران أبنيتها”. جمعت الساحة الأغنياء والفقراء بعدما كان لكل منهم شارعه. جمعت المتعلمين والأميين وكبار الموظفين و”العونطجية” المجردين من حقوق بديهية، وابن باب التبانة وابن الجبل، جميعهم اتحدوا يداً بيد من دون أن يكون لأي منهم القدرة على كشف هوية الثاني، وهذا جوهر الثورة، وفق ابراهيم.

 

 

مسيرة من باب التبانة إلى جبل محسن: الوجع واحد

 

إنها أقرب إلى العجيبة، أن تُكسر حواجز عمرها سنوات في أيام معدودة. فعلتها ثورة طرابلس. أعادت مد الجسور المقطوعة بين جبل محسن وباب التبانة وسهّلت مرور الناس إليهما، وهو ما كرّسته مسيرة الثورة التي انطلقت من الباب نحو الجبل. طرابلسيون من مختلف الفئات والانتماءات ساروا نحو المنطقتين الأكثر تهميشاً وفقراً. من كان يتخيّل أن يزور ابن شارع الثقاقة وقاطن الأحياء الفاخرة في الضم والفرز تلك الشوارع المنكوبة؟ فعلتها الثورة. علت الهتافات والتحيات المُشبّعة بالحب للمنطقتين. برهنت المسيرة أن لا ثورة من دونهما. لا يُمكن أن تتخطى طرابلس أزماتها من دون أن تُضمد الجروح المفتوحة هنا، فلكل جبلٍ باب مشرّع على الغد.