لم يشفع للوزير جميل جبق لدى السفارة الاميركية في لبنان أنه يتولى حقيبة الصحة التي يطغى عليها البُعد الانساني، وبالتالي فإنّ السفارة حجبت عنه «فيزا» الدخول الى الولايات المتحدة، ما حال دون تَمكّنه من مرافقة الرئيس ميشال عون الى نيويورك، حيث كان يفترض أن يشارك في نشاطات عدة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ماذا يقول وزير الصحة عن منعه من دخول الولايات المتحدة؟ وكيف سيتصرف إزاء السلبية الاميركية في التعامل معه؟
صحيح أنّ جبق يمثّل «حزب الله» في الحكومة، إلّا أنه أبدى، منذ أن تسلّم مهماته الوزارية، اهتماماً بالانفتاح على جميع القوى الداخلية، وكذلك على الخارج وسفرائه المعتمدين في لبنان، مُنطلقاً من قاعدة انّ الصحة عابرة للاصطفافات السياسية، ولا تتحمّل أي سلوك فئوي.
و«مُرونة» جبق انعكست تعاوناً مع عدد من السفراء الأوروبيين والدوليين الذين زاروا الوزارة تباعاً للبحث في مجالات التنسيق، على الصعيد الصحي، بمَن فيهم أولئك الذين يمثّلون دولاً تعارض «حزب الله» أو تُعاديه سياسياً، إضافة الى أنّ جبق زار بدوره عدداً من العواصم الغربية، من دون أن يواجه أي عوائق.
أساساً، عندما اختار «الحزب» جبق لتوَلّي وزارة الصحة، كان يدرك الحاجة الى انتقاء شخصية منسجمة مع خطه الاستراتيجي، من دون أن تكون منتمية الى صفوفه مباشرة، حتى تستطيع اكتساب هامش من الخصوصية والحركة في مواجهة الضغوط الاميركية والتعقيدات السياسية، خصوصاً أنّ الوزارة معروفة بحساسيتها الفائقة وبوظائفها الحيوية.
وعليه، أدرك الحزب منذ البداية ضرورة عدم زَجّ هذه الوزارة في أتون النزاعات، لتسهيل شروط نجاح تجربته فيها، وهو العارف أنّ كثراً يتربّصون به ويتمنون إخفاقه في إدارة أحد أشد الملفات أهمية واتصالاً بالناس، فكان لا بد له من أن يمنحَ جبق مساحة من «الحكم الذاتي»، لتحصين دوره وتفعيله.
لكنّ «براغماتية» جبق التي فتحت أمامه كثيراً من الابواب المغلقة، لم تسعفه في نيل سِمة دخول الى الولايات المتحدة، بعدما تعمّدت سفارتها في لبنان المماطلة في التعامل مع طلب الـ«فيزا»، الى أن انتفَت الحاجة إليها، عند مغادرة عون والوفد المرافق الى نيويورك وبقاء وزير الصحة في بيروت.
ويقول جبق لـ«الجمهورية» إنّ امتناع السفارة الاميركية عن منحه تأشيرة الدخول حالَ دون مشاركته في مؤتمر التغطية الصحية الشاملة الذي أقامته منظمة الصحة العالمية، لتعزيز برامج الرعاية الاولية المجانية، على هامش انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، «حيث كنتُ سأشرح التجربة اللبنانية في مجال الرعاية الاولية، كذلك كان مقرراً أن ألقي كلمة أمام اجتماع وزراء الصحة حول معاناة اللبنانيين بسبب تداعيات النزوح السوري على القطاع الصحي، لكنّ «الفيتو» الاميركي على الـ«فيزا» عَطّل هذه الفرصة».
ولدى سؤاله: هل أنت مستعد لاستقبال السفيرة الاميركية في بيروت بعد ما حصل معك، إذا طلبت يوماً موعداً للقائك؟ أجاب: في المبدأ لا أمانع، لأنّ من يتعامل بالشأن الصحي يجب أن يتحلّى بالانسانية، بعيداً من مفاعيل الخلافات والحروب. وأنا أنطلق في سلوكي من شعار ترفعه أميركا ولا أدري كم تطبّقه في علاقاتها بالآخرين، وهو انّ «الصحة للجميع».
وكشفَ أنّ الاميركيين يحاربون كل البرامج الصحية التي تقدمها الجهات الدولية المانحة الى لبنان، «بُغية إفشالي في الوزارة»، لافتاً الى انهم «يمارسون الضغوط، ويتدخلون لدى تلك الجهات لثَنيها عن منح المساعدات الصحية للبنان».
وأضاف: «لقد وصلَ الأمر بالأميركيين الى درجة أنهم هددوا منظمة الصحة العالمية بوَقف مساهماتهم المالية المخصصة لها، إذا قدّمت اللقاحات الى أطفال الجنوب اللبناني. تصوّر أنهم وصلوا الى هذا الحد في الضغط، إلّا انّ المنظمة لم تَستجب لهم، خصوصاً انّ مساهماتهم المالية محدودة أصلاً، وتجميدها، إذا حصل، لا يؤثر، علماً انّ مساعدات الولايات المتحدة الى الدول المُحتاجة هي الاقل عموماً مقارنة مع ما تمنحه دول أخرى.
ونَبّه جبق الى انّ القطاع الصحي لا يتحمّل العقوبات، لافتاً الى انّ أي تدبير من هذا القبيل يُتّخذ في مجال الصحة، يعادِل ارتكاب جريمة حرب.