Site icon IMLebanon

جاد غصن… «انتصار» بأبعادٍ ثلاثة

 

 

كان لفوز جاد غصن أن يتخطى المقعد النيابي إلى انتصارٍ بأبعاد سياسية واقتصادية وثقافية، وأن يطيح برئيس أكبر حزب أرمني في لبنان هاغوب بقرادونيان، في منطقة تعدّ معقلاً للأحزاب المسيحية من القوات اللبنانية إلى التيار الوطني الحر والكتائب التي اجتمعت كلها على خسارة غصن لحسابات سياسية وانتخابية.

 

في وجه نواب «حزب المصرف»، جاهر بمناهضته للاقتصاد الحر في منطقةٍ تدافع عنه كأحد أدوار لبنان الاقتصادية تاريخياً. وأعاد ترتيب الأولويات لتكون القضايا الاقتصادية والاجتماعية في مقدّمها، بعيداً عن خوض الاستحقاق الانتخابي بشعبوية على غرار ما فعله قسم كبير من مرشحي «التغيير»، تارة بالتركيز على شعاراتٍ انقسامية غير قابلة للتطبيق وأخرى بتمييع خطابهم. كان غصن لامناطقي ولاطائفي في «مركز الكنيسة» المارونية، متحصناً بمشروع، ومن دون عباءة بيت أو حزب سياسي تقليدي.

 

 

88 صوتاً حالت بينه وبين المقعد النيابي الذي كان فوزه به سيطيح بمرشح القوات اللبنانية الماروني رازي الحاج لمصلحة المرشح الأرمني على اللائحة بما يخرج هاغوب بقرادونيان من المعركة. هنا اجتمعت المصالح: القوات تريد الفوز للحاج وليس لمرشحها الأرمني غير «القوتجي»، وفي الوقت نفسه تستثمر ذلك سياسياً لدى الأرمن بأنها لم تقبل بسقوط رئيس حزبهم الرئيسي. أما التيار فيفضّل فوز بقرادونيان الذي يرجّح أن ينضم إلى كتلته النيابية. وبطبيعة الحال ميشال المر سيرّحب ببقرادونيان وليس بغصن.

مع اقترابه من الفوز، بعدما تمكنت لائحته «نحو الدولة» من حصد أصواتٍ أقل من الحاصل بـ88 صوتاً فقط، اتّجهت الأنظار إلى قصر عدل الجديدة، حيث جرت عملية الفرز وسط إشكالات في قلمَي سن الفيل وبسكنتا، وضغوط سياسية تردّد أنها مورست من القوات والطاشناق… ليتم في النهاية احتساب صندوق بسكتنا الذي وصلت أوراق اقتراعه في كيسٍ بلاستيكيٍ ممزّق، وليس في الصندوق الذي تزود وزارة الداخلية رؤساء الأقلام به. وإلى هذا الصندوق، أُلغيت أصوات عدد من الصناديق أيضاً، لعدم تطابق الأرقام في المحاضر بين عدد المقترعين الفعليين وأوراق الاقتراع. مخالفات وتجاوزات تحدّثت عنها لائحة «نحو الدولة» ستكون موضع طعنٍ بنتيجة الفرز التي أتت لصالح الحاج.

بمعزلٍ عن الشق الإجرائي، وبمعزلٍ أيضاً عما إذا كان قرار مجلس شورى الدولة سيقضي بفوزه أو إبقائه خاسراً خارج المجلس النيابي، شكّل غصن خرقاً للمشهد السلطوي بالأرقام الوازنة التي حصدها في منطقة محافظة كالمتن. إذ لم يفصّل خطابه على هواها كما فعل مرشحون «تغييريون» في مناطق «يمينية» كسباً للأصوات التي يحجبها أصحابها عن مرشحٍ ذي طروحاتٍ وميولٍ يسارية. وهذا ما تنتظره الناس من التغيير.

 

 

لم يفصّل خطابه على هوى المنطقة التي ترشح عنها كما فعل «تغييريون» في مناطق أخرى

 

الوضوح والصدق وعدم مجاراة البيئات الاجتماعية التي تقترع طائفيا وغرائزياً كما عوّدتها القوى الطائفية.

في السياسية والاقتصاد، رفض غصن الدوس على الاختلاف لمصلحة انتخابية. اختار حركة يؤمن بمشروعها ليترشّح عنها. عارض تحالفات بعض «التغييريين» من تحت الطاولة ومن فوقها مع قوى سلطوية كالكتائب. ولم تستفد اللائحة التي ترشح عليها من دعم المنصات، المالي والسياسي، بل واجهت لوائح صرفت كل منها ملايين الدولارات، وتحديداً لائحتا القوات والكتائب. وزاد من التحدي أمامها ترويج سلطويين وتغييريين بأن سمير صليبا، المرشح على اللائحة المدعومة من الكتائب، هو من سيفوز، ولا فائدة من التصويت للائحة «نحو الدولة».

انطلاقاً من فكرة أن الطرح السياسي هو الذي يسبق وليس الأرقام، تحدّث غصن عن أن الهدف جمع المعارضة على مشروع سياسي واستخدام الانتخابات للمحاججة، لأن التحدي يكمن في قراءة الظرف السياسي على حجم الواقع المأزوم والمنهار اقتصادياً ومالياً، ويحتاج إلى رؤية للعبور، أكثر منها إلى موهبة جزء من الـ«تغييريين» بمحاججة الناس ومخاطبتهم بالعصبيات التي تستخدمها السلطة من دون انتاج مشاريع.

 

 

الخطاب الواضح ضد بيع أصول الدولة لخدمة خسارات المصارف، وضرورة تشكيل قوة سياسية تواجه السلطة المالية، وتواجه الصناديق السيادية التي ستوضع فيها أصول الدولة، سقط في لغة الأرقام الانتخابية، التي ترتفع عند الحديث عن الصراع مع حزب الله وسلاحه، ليطغى على القضايا الاجتماعية في ظل أكبر انهيار. لكل تلك الأسباب كان جاد غصن يضرّ برموز السلطة السياسية والدينية وأذرعها المالية. وكان لفوزه أن يكون مختلفاً عن أغلبية الخروقات، في الشكل والمضمون.