IMLebanon

باخرة بالزايد أو بالناقص

 

 

إرتبكت الدولة اللبنانية من الجمارك الى المديرية العامة للنفط جراء فضيحة الباخرة اللقيطة الجاغوار أس “jaguar S”. ليس لأنها رست بطريقة غير شرعية، ولكن لأن هناك من كشف سترها. قالوا إنها ظهرت فجأة في المياه الاقليمية اللبنانية، قبالة منطقة الزهراني وحجزوها.. موقتاً على الأرجح.. حتى يصار الى لفلفة الموضوع.. كما هي العادة.

 

لكن باخرة بالزايد أو باخرة بالناقص لا تقدم أو تؤخر في واقع الفوضى التي تعبث بالساحة السائبة منذ زمن. أو كأن هذه الدولة تعرف، أصلاً، ماذا يدخل عبر منافذها البرية والبحرية والجوية، وماذا يخرج من هذه المنافذ، منذ تحول لبنان الى بؤرة يديرها رأس المحور عبر ذراعه الأقوى في الإقليم.

 

ولا تختلف حيثيات الظهور المفاجئ للباخرة اللقيطة عن إحداثيات دخول باخرة نيترات الأمونيوم، التي فجرت نصف بيروت، الى المرفأ، الا بتغيُّر الظروف وليس المضمون في سلوكيات المحور الحاضر بمسؤوليه وأتباعه لتسهيل مصالحه ومقتضياتها.

 

وبما أن العيون مسلطة على المرفأ المنكوب و”اليونيفيل” حطّ رحاله في المكان، كان إختيار الزهراني مرسىً ملائماً في منطقة يسيطر عليها المحور في المبدأ، الى درجة أنه لم يكن يجد ضرورة للاستعانة على قضاء حوائجه بالكتمان.

 

لكن الظاهر أن النحس يعاكس المايسترو هذه الأيام، وكأن العد العكسي بدأ. وبدأت الخسارة بعد العز. وتعثَّر الإنفلاش والإستخفاف بالمؤسسات الرسمية.

 

الآية الى إنقلاب على ما يبدو. فقد سقطت المحظورات السابقة التي تكمّم الأفواه وتطيح بمن يتجرأ ويشير الى مكامن العلة التي تغطي منظومة الفساد. وقد بدأت خجولة محدودة بفعل تراكمات التحرك الشعبي بعد إنهيار أمانه المعيشي. وتكرس السقوط مع رفد القهر والمعاناة واغتيال الحياة بجريمة تفجير المرفأ. وتغيرت المعادلة التي كانت سائدة بعدم التعرض الى “قدسية” إفْتُضِحَتْ هشاشتها بعد أن غرق مركب الدولة، وأصبح اللعب السياسي القذر أكبر من طاقة المحور وأتباعه على الترغيب والترعيب والتحشيد بفعل التعقيدات الإقليمية.

 

ومكمن القوة في “إكتشاف” الباخرة “jaguar S” أنها تنال من كبد هتافات “شيعة.. شيعة”. إذ لا يعقل ألا يحرك الشيعة ساكناً للإعتراض على حرمانهم من الوقود، في حين تُفَرَّغ بواخر نفط برعاية قوى الأمر الواقع في أرضهم، لتعبر الى غيرهم، على طريقة “شم ولا تذوق”.

 

ومع سلسلة التطورات المتسارعة، ومع تلويح بـ”عيون قانا” متنقلة في مناطق البيئة الحاضنة ستضعف أكثر فأكثر زخم الهتافات، يأتي الإعلان عن إتفاق الإطار لبدء مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل ليزيل بعضاً من سماكة الغشاء على بصيرة، من وعدوه بالصلاة في القدس وبالجنة والخيرات على الأرض كما في السماء، بفعل فائض القوة والسلاح خارج الدولة.

 

إلا أن الأمور لن تنتهي بكبسة زر. فما ينتظر اللبنانيين بعد تمزق غشاء “القدسية” هو ديكتاتورية واضحة فاضحة، قدر ما يستطيع المحور أن يفرض ويتسلط. وملعب فائض القوة هو الداخل اللبناني، أو حيث تستدعي مصلحة رأس المحور. وعدا ذلك لا شيء، وتحديداً على جبهة العدو الإسرائيلي الغاشم الذي سيفاوضه لبنان برضى الأقوى.. حتى تاريخه.