IMLebanon

“ديكتاتورية” عيتاني… تجرّ بلدية بيروت من فشل إلى آخر

 

كأنه لا يكفي أهل بيروت ما يعانونه من تردي الأوضاع الإقتصادية والمشاكل الصحية التي تعصف بالبلد، حتى أتت تصرفات رئيس بلديتهم جمال عيتاني لتزيد من معاناتهم وتُعمّق جراحهم، وتراكم الفشل الذي ينعكس سلباً عليهم.

 

لا ينكر أحد أن بيروت من أجمل العواصم على شاطئ البحر المتوسّط، ونافست في مراحل سابقة أهم العواصم الأوروبية، لكن سوء الادارة و”التشبث بالرأي” جعلها تعاني أكثر وأكثر خصوصاً وأن الإدارة المحليّة مسؤولة بشكل مباشر عما وصلت إليه الأحوال.

 

ولا شكّ أن رئيس البلدية في أي بلدة لبنانية يلعب دوراً إنمائياً كبيراً في المراحل الصعبة، لكن في بيروت فإن الوضع مختلف تماماً بعد مراكمة جمال عيتاني الفشل تلو الآخر، فيما يدفع الأهالي ثمن فشله في معالجة ملفات أخذها على عاتقه واحتكرها بـ”ديكتاتورية” موصوفة فكانت النتيجة صفر إنجازات.

 

معضلة النفايات

 

ولعلّ أبرز ما سيعانيه أهالي بيروت في الأيام والأسابيع المقبلة هو أخذ عيتاني ملف النفايات على عاتقه مؤكداً انه سيوجد الحلّ، ليصل إلى وقتنا هذا ويضع الجميع أمام فشل جديد يُضاف إلى سجلاته.

 

وبات الجو داخل المجلس البلدي محتقناً، إذ إن عدداً كبيراً من أعضاء المجلس البلدي للعاصمة بات على توافق أنّ رئيس البلدية “فوّت البلدية بالحيط”، ويطرحون عدداً من علامات الإستفهام حول أدائه.

 

وفي التفاصيل، فإن مشكلة النفايات تفجّرت عام 2015، ومنذ انتخاب المجالس البلدية عام 2016 لم يوجد حلّ لهذا الملف إن على الصعيد الوطني أو على صعيد السلطات المحلية.

 

ووفق المعلومات، فإن عيتاني أخذ على عاتقه منذ انتخابه إيجاد حلّ لمشكلة النفايات الصلبة للعاصمة وتصرّف بتفرّد وكان يؤكّد دائماً أنه سيجد الحلول لهذه المشكلة.

 

وبعد مضي 4 سنوات تقريباً، لم يصل عيتاني إلى أي خطّة، حيث انطلق بطروحاته من مبدأ إستثماري بحت وليس من باب حلّ بيئي صحي ينقذ أهالي بيروت، وأصرّ على إنشاء معمل يعالج النفايات على طريقة “التفكّك الحراري”، متغاضياً عما يسببه هذا النوع من المعالجة من أضرار بيئية وصحية وسط غياب الثقة بطريقة المراقبة من المؤسسات المسؤولة عن هذه الأمور.

 

والجدير ذكره أن هذه الطريقة في المعالجة تصل كلفتها إلى 250 مليون دولار، في حين أن لبنان يعاني من أزمة إقتصادية حادة يُضاف إليها تفشّي “الكورونا” وعدم القدرة على تأمين هذا المبلغ، وسط انهيار قيمة الليرة، فكان الأسلوب الذي استعمله يقوم على عقلية رجال الأعمال الذين يريدون الإستثمار في هذا الملف، فكانت النتيجة فشل احتكاره وباتت العاصمة أمام أزمة نفايات مفتوحة.

فشل مستمرّ

 

ولا يقتصر سوء الإدارة على ملف النفايات فقط، بل تخطاه إلى ملفات أخرى، إذ إن عيتاني أخذ على عاتقه أيضاً معالجة ملف الكهرباء في بيروت وتعهد بتأمينها 24 ساعة في اليوم، مع علمه أن هذا الملف لا يُحل في بيروت بمفردها بل يأتي من ضمن حل وطني شامل.

 

وينقل عدد من أعضاء المجلس البلدي أن عيتاني يتصرّف بديكتاتورية مفرطة ويعتبر نفسه الآمر الناهي في البلدية، وانتقل الخلاف إلى قانونية الجلسات البلدية التي يعقدها والخلاف على النصاب القانوني.

 

وفي التفاصيل، فإن عدد أعضاء بلدية بيروت يبلغ 24 عضواً، أي ان النصاب هو 13، لكن بعد انتخاب العضو أغوب تيرزيان نائباً، بات العدد 23 عضواً، وهنا نشب الخلاف حول أن يكون النصاب 13 أو ينزل العدد إلى 12 عضواً.

 

ومع إبقاء الباب مفتوحاً على هذه المشكلة، أتت أزمة “الكورونا”، فاستغل عيتاني هذا الوباء لتمرير ما يريد تمريره من قرارات، فكان يدعو إلى جلسات استثنائية للبلدية أقرت فيها مجموعة من التبرعات، وحاول تكريس النصاب 12 مستنداً إلى القانون الفرنسي الذي استوحى منه لبنان معظم قوانينه. وتحت حجّة “المرحلة الإستثنائية”، كان عيتاني يمرر قرارات متسلحاً بشعار “العجلة”، وبالتالي فإن الأمور باتت مهددة بالإنفجار داخل المجلس البلدي.

 

والجدير ذكره، أنه في إحدى الجلسات التي دعا إليها عيتاني الساعة الأولى ظهراً، لم يكتمل النصاب، فباشر بأخذ القرارات وإقرار بنود جدول الأعمال، وبعد أن اكتمل النصاب الساعة الثانية ظهراً كانت معظم البنود أقرت بتصويت غير قانوني، وهذه الحادثة تكررت مرات عدّة.

 

لم يعمل عيتاني كرئيس بلدية، بل دخل في سجالات مع محافظ بيروت زياد شبيب، وكأن قرار التمديد لشبيب بين يديه، وانعكس هذا الأمر سوء أداء داخل البلدية التي انقسم أعضاؤها ولم تنجز أياً من المشاريع المهمة خلال 4 سنوات، وهذا الأمر أثار غضب معظم البيروتيين، خصوصاً أن البلدية باتت أمام جبهة معارضة من الأعضاء لأداء رئيسها.

 

تطيير المساعدات

 

لكن، وعلى رغم أهمية تلك الملفات، إلا أنّ عدم النجاح في توزيع القسائم على المحتاجين من أهالي بيروت قد راكم الفشل، لأنه لا مجال للعبث في حاجات الناس. وكالعادة، فقد قرر عيتاني أخذ هذا الملف على عاتقه، ففي 27 آذار قررت البلدية توزيع مبلغ 4 مليارات ليرة لبنانية على 20 ألف محتاج في العاصمة، أي بقيمة 200 ألف لكل محتاج.

 

وقرر عيتاني طرح مناقصة لهذا الموضوع، إلا أنه فشل لأن لا أحد يدخل في هذه اللعبة وسط ارتفاع الدولار وتفاوت الاسعار، مما أخر التوزيع وسط تدنٍ في القدرة الشرائية للقسيمة بعد انهيار الليرة، فحاول إلقاء المسؤولية على غيره، لكن الجميع في البلدية يتحدثون عن أنه هو من عرقل هذه القضية الملحة.

 

الموازنة

 

وربطاً بهذه القضية، فإن التأخير في إقرار الموازنة سمح للبلدية بالصرف على القاعدة “الإثني عشرية”. وفي التفاصيل، فإن الإدارة في المحافظة ترفع الموازنة إلى المجلس البلدي ليقرها مثلما هي أو يجري عليها بعض التعديلات، وبعد إقرارها يوافق عليها وزير الداخلية والبلديات، في حين كان المطلوب التنسيق بين المحافظ ورئيس البلدية. وفي توصيف أدق، فإن الإدارة في المحافظة تشبه مجلس الوزراء الذي يقر الموازنة ويرسلها إلى لجنة المال والموازنة لتدرسها من ثم ترفعها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب الذي هو المجلس البلدي في بيروت، لأن المحافظ في العاصمة هو رئيس الموظفين والسلطة التنفيذية بعكس باقي بلديات لبنان التي تعتبر البلدية رئيسة الموظفين، في حين تمثل البلدية في بيروت ما يشبه مجلس النواب في ما خص الموازنة. لكن ما حصل أن البلدية أقرت موازنة مغايرة لتلك التي رفعتها الإدارة، وصدّق عليها وزير الداخلية محمد فهمي في 22 آذار، لكن الإدارة لم تكن موافقة عليها وطالبت بتعديلات لتغطية الصرف على القاعدة “الاثني عشرية” وتعديل مصاريف المحروقات على سبيل المثال، فما كان من رئيس البلدية إلا ان دعا إلى جلسة في 16 نيسان لإعادة التعديل، وعند إعادة التعديل سيصبح توقيع وزير الداخلية ملزماً مجدداً ما يُضيّع مزيداً من الوقت، وهذا الأمر أخّر المساعدات التي يحتاجها البيروتيون.

 

وهنا يتحمل رئيس البلدية مسؤولية كبرى بسبب إقراره موازنة مختلفة عن موازنة الإدارة وهو يعلم أن بعض البنود بحاجة إلى تعديل، في حين يتحمل مسؤولية إضافية بعدم تنسيقه مع المحافظ أقله في هذا الموضوع.